الطعام، وتمشط الصوف وتغزله، وتخيط ثياب الأسرة وتصنع فراشها. ويكاد تعليمها أن يكون مقصوراً على الفنون المنزلية، لأن اليونان كانوا يعتقدون مثل يوربديز أن ذكاء المرأة يعوقها عن أداء واجباتها (١١٢). وكانت نتيجة ذلك أن نساء أثينة المحصنات كن أكثر تواضعاً، وأكثر "فتنة" لأزواجهن من مثيلاتهن في إسبارطة، ولكنهن كن في الوقت نفسه أقل منهن ظرفاً ونضوجاً، عاجزات عن أن يكن رفيقات لأزواجهن، لأن عقول هؤلاء الأزواج قد امتلأت وانصقلت بتجارب الحياة المختلفة؛ ومن أجل هذا أفاد الأدب اليوناني كثيراً من اليونانيات في القرن السادس ولم يفد شيئاً من نساء أثينة في عصر بركليز.
وقامت في أواخر هذا العصر حركة تهدف إلى تحرير المرأة. فنرى يوربديز يدافع عن النساء في خطب جريئة وغمزات خفيفة، أما أرسطوفان فيسخر منهن بألفاظ وقحة صاخبة. وتنزل النساء إلى الميدان في حركة التحرير ويخترن أقوى سلاح فيبدأن ينافسن الهيتاميراي ويجملن أنفسهن بكل ما يمدهن به تقدم الكيمياء من معونة. وشاهد ذلك سؤال تسأله كليونيكا Cleonica في مسرحية ليسستراتا Lysistrata لأرسطوفان: "أي شيء معقول نستطيع أن نقوم به نحن النساء؟ إنا لا نستطيع أن نفعل أكثر من أن نجلس جماعات بأدهاننا، وأصباغ شفاهنا، وأثوابنا الشفافة وما إلى ذلك"(١١٣). وتصبح أدوار النساء من عام ٤١١ أكثر شأناً في المسرحيات الأثينية مما كانت من قبل، وهي تكشف عن خروج المرأة شيئاً فشيئاً من العزلة التي كانت مفروضة عليها.
على أن سلطان المرأة الحقيقي على الرجل يظل قائماً في خلال هذا التغيير كله، ويجعل خضوعها للرجل خضوعاً غير حقيقي إلى حد كبير. إن اشتياق الرجل للمرأة أكثر من اشتياق المرأة للرجل يكسب المرأة في اليونان كما يكسبها في غيرها من البلاد ميزة كبرى عليه. وفي ذلك يقول صمويل جنسن:"سيدي؛ لقد وهبت الطبيعة المرأة من القوة ما لا تستطيع الشرائع أن تزيد عليه شيئاً"(١١٤)