ينظمون القصائد التي يتغنون فيها بجمال البحر رغم أخطاره الشديدة. ولم تكن الطبيعة تثير عواطفه، بقدر ما كان يتخيله فيها من كائنات روحية، فهو يملأ الغابات ومجاري المياه في بلاده بالآلهة والأشباح، وإذا فكر في الطبيعة لم يكن تفكيره في جمال مناظرها، بل في أنها مكان تتنعم فيه أرواح الأبطال الذين قتلوا في الميدان. وهو يطلق على جباله وأنهاره أسماء الأرباب الذين يسكنوها، ولا يرسم الطبيعة ذاتها بل يرسم بدلاً منه صوراً رمزية للآلهة التي تبعث فيها الحياة حسب ما تحدثه به ديانته الشعرية، أو ينحت لها تماثيل ترمز إلى هذه الآلهة. ولم ينشئ اليوناني لنفسه حديقة أو "جنة" ينعم بها وظل كذلك حتى عادت إليه جيوش الإسكندر بأساليب الفرس وذهبهم. ومع هذا فقد كانت الأزهار محبوبة في بلاد اليونان كما كانت محبوبة في غيرها من البلاد، وكانت الحدائق تنبتها، وبائعات الأزهار تمدهم بها، طوال العام. فكانت الفتيات البائعات يتنقلن من بيت إلى بيت يبعن الورد، والبنفسج، والزنبق، والنرجس، والسوسن، والآس، والليلق، والزعفران، وشقائق النعمان. وكانت النساء يزين شعرهن بالأزهار، والشبان المتأنقون يضعونها خلف آذانهم؛ وكان الرجال والنساء يخرجون في الأعياد وحول رقابهم عقود من الأزهار (١١٨).
وكان البيت من داخله غاية في البساطة. فأما الفقراء فكانت أرض بيوتهم طيناً جف وتصلب، فلما زاد دخل هؤلاء أخذوا يغطون هذه الطبقة الأرضية بالحصباء أو يرصفونها بحجارة مستوية، أو بقطع منها صغيرة في أرضية من الأسمنت، كما كان أهل الشرق الأدنى يفعلون من أقدم الأزمان. وكانوا أحياناً يغطون هذا كله بالحصر أو الأبسطة. وكانت الجدران المقامة من الآجر تطلى بالجص أو بالجير. وكانوا يدفئون أنفسهم على مواقد من نحاس يخرج دخانها من أبواب الحجرات إلى فناء الدار، ولم يكونوا يحتاجون إلى هذه التدفئة أكثر من ثلاثة أشهر في العام. وتكاد البيوت أن تكون خالية من