الجذع لكي تكسب الرمية أعظم قوتها، ولم يتلَوَ الوجه ويشوه بسبب ما يبذله الرامي من جهد، بل ظل منبسطاً، والرامي هادئ واثق من قدرته، وليس الرأس ثقيلاً أو وحشياً، بل هو رأس رجل من لحم ودم ورقة وتهذيب، في وسعه أن يؤلف الكتب إذا نزل إلى مستوى من يكتبونها. ولم تكن هذه الآية الفنية إلا عملاً واحداً من أعمال ميرون الكثيرة، وقد أعجب بها مواطنوه، ولكنهم أعجبوا أكثر من ذلك بتمثال أثينة ومرسياس (١) وتمثال لاداس. وتمثال أثينة هذا أجمل مما يتطلبه الغرض الذي صنع من أجله، فليس في مقدور أي إنسان ينظر إليه أن يظن أن هذه العذراء المحتشمة ترقب وهي هادئةً راضية صاحب الناي يسلخ. أما تمثال مرسياس فأشبه بتمثال لبرنارد شو أدركه الفنان في وضع معيب ولكنه مفصح بليغ. ويصور هذا التمثال عازف القيثارة وقد عزف عليها آخر مرة، وأدركه الموت ولكنه يأبى أن يموت من غير أن يتكلم. ولم يكن لاداس لاعباً رياضياً خارت قواه لأن النصر أنهك جسمه، بل إن ميرون قد صوره تصويراً بلغ من واقعيته أن صاح يوناني قديم حين رآه:"لقد صاغك لاداس من النحاس بالصورة التي كنت عليها في الحياة، تخرج روحك اللاهثة من صدرك مع أنفاسك، وأسبغ على جسمك كله حرصك على تاج النصر"، وقال اليونان عن عِجْلة ميرون إنها تستطيع أن تفعل كل شيء عدا الخوار (٣٠). وأضافت المدرسة الأتيكية أو الأثينية إلى البلوبونيزيين وإلى ميرون ما تهبه النساء للرجال: جمالاً، ورقة، ورشاقة، وظرفاً، وكانت وهي تفعل هذا تحتفظ من عناصر الرجولة بالقوة. فقد وصلت إلى مستوى عال قد لا يصل إليه المَثالون مرة أخرى. وكان كلميس Calamis لا يزال وقتئذ محتفظاً بعض الشيء بطابعه العتيق، ولم يكن نسيوتيز Nesiotes وكريتيوس Critius وهما يصبان طائفة أخرى من تماثيل قتلة الطغاة قد تحررا من البساطة الجامدة
(١) في متحف نيويورك الفني نسخة جميلة من النسخة اللاترانية.