للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلى حد جعل الناس ينسجون حوله كثيراً من الخرافات والأساطير. فمن قائل إنه عندما أتمه فدياس طلب أن تطلع عليه من السماء آية تدل على رضائها عن عمله، فأرسلت صاعقة نزلت على الأرض غير بعيدة عن قاعدة التمثال - وهي آية كمعظم الآيات السماوية تقبل عدة تفاسير مختلفة (١). وعدَّ التمثال من عجائب الدنيا السبع، وكان يحج إليه كل من استطاع الحج ليشاهد الإله المتجسد فيه. ولما فتح إيمليوس بولس Aemilius Paullus القائد الروماني بلاد اليونان ورأى هذا التمثال الضخم استولى عليه الرعب، واعترف أن ما شاهده بعينه قد فاق كل ما كان يصوره له خياله (٣٨). ووصفه ديوكريسوتوم Dio Chrysotom بأنه أجمل تمثال على وجه الأرض، وأضاف إلى قوله هذا ما قاله بيتهوفن في الموسيقى: "إذا وقف أمام هذا التمثال إنسان قد تراكمت عليه الهموم، وتجرع في حياته كأس المصائب والأحزان حتى الثمالة، وطار النوم الحلو من أجفانه، نسي كل ما يصيب الإنسان في حياته من متاعب وأحزان" (٣٩). وقال فيه كونتليان Quintilian: " إن جمال التمثال قد أضاف بعض الشيء إلى دين البلاد، ولقد كان جلاله خليقاً بالإله الذي يمثله" (٤٠).

ولسنا نعرف عن أواخر أيام فدياس شيئاً موثوقاً به. فمن القصص ما يرى أنه عاد إلى أثينة حيث قضى نحبه في السجن (٤١)، ومنها ما يقول إنه أقام في إليس Elis، وإن هذه المدينة نفسها قد قتلته في عام ٤٣٢ (٤٢). وليست إحدى هاتين القصتين اللتين تتحدثان عن خاتمة فدياس أصدق من أختها. وواصل تلاميذه عمله، وبرهنوا على نجاحه معلماً بما أخرجوه من آيات فنية لا تكاد تقل روعة عن آياته هو. فقد نحت أجركريتس Agoracritus أحب تلاميذه إليه تمثالاً لنمسيز Nemesis طبقت شهرته الآفاق،


(١) لم يبق من تمثال زيوس هذا إلا قطع صغيرة من قاعدته.