وكان مدخل الهيكل الداخلي تحت الآلهة الجالسة المنقوشة في الإفريز. وكان داخل هذا الهيكل صغيراً نسبياً لأن معظم الفراغ كانت تشغله صفوف من الأعمدة الدورية التي تحمل السقف وتقسم المحراب إلى صحن وممشيين، وفي الطرف الغربي كان سنا أثواب أثينة الذهبية يذهب بأبصار عبادها، وكان رمحها ودروعها وأفاعيها توقع الرعب في قلوبهم. وكان من خلفها حجرة العذارى تزينها أربعة أعمدة دورية الطراز. وكان في الألواح الرخامية التي تغطي السقف من الصفاء ما يسمح بنفاذ بعض الضوء إلى صحن المحراب، ومن العتمة ما يكفي لمنع الحرارة عنه، هذا إلى أن التقى، كالحب، يصد عن المتقين حر الشمس. وكانت الطنف منقوشة نقشاً دقيقاً بذل فيه الكثير من العناية، وكانت تعلوها وقايات من الآجر ركبت فيها ميازيب لإزالة مياه الأمطار. وكانت أجزاء كثيرة من الهيكل مطلية بالألوان الزاهية الصفراء والزرقاء والحمراء. فأما الرخام فقد طلي باللونين الزعفراني واللبني، وكانت الخروز وبعض النقوش زرقاء، وكذلك كانت أرضية الإفريز. أما الواجهة فكانت حمراء، وكان كل ما فيها من الصور ملوناً (٥٢). وقد فضل اليونان الألوان الناصعة على الألوان الهادئة لأنهم شعب اعتاد جو البحر الأبيض المتوسط ولأن في طاقته أن يتحمل الألوان البراقة، بل هو يفضلها عن الألوان الخفيفة الهادئة التي توائم جو شمال أوربا القاتم. والآن وقد تجرد البارثنون من ألوانه فإنه يبدو أجمل ما يكون في الليل حين تظهر من الفراغ الذي بين العمد مناظر السماء المتغيرة، أو منظر القمر معبود الأقدمين، أو أضواء المدينة النائمة مختلطة بتلألأ النجوم (١).
(١) لقد كان الذي أبقى على البارثنون، كما أبقى على الإركثيوم والثسيوم، هو أن هذه الهياكل حولت إلى كنائس، ولم تكن هذه المباني تحتاج في هذا التحويل إلى تغيير كبير في أسمائها، لأنها في كلتا الحالين مخصصة للعذراء. وحول البارثنون بعد أن احتل الترك البلاد في عام ١٤٥٦ م إلى مسجد وأقيمت فيه مئذنة. ولما حاصر البنادقة مدينة أثينة في عام ١٦٨٧ م استخدم الأتراك الهيكل ليخزنوا فيه كل يوم تحتاجه مدفعيتهم من البارود. ولما أبلغ هذا الخبر لقائد البنادقة أمر بأن تطلق نيران مدافعه على البارثنون، واخترت قذيفة سقف الهيكل ونسفت البارود وخربت نصف البناء. ولما استولى مروسيني Morosini على المدينة حاول أن ينهب تماثيل القواصر، ولكنها سقطت من عماله وهم ينزلونها من أماكنها وتحطمت. وفي عام ١٨٠٠ م حصل لورد إلجين، سفير بريطانيا في تركيا، على إذن من الباب العالي بأن ينقل بعض التماثيل والنقوش إلى المتحف البريطاني حيث تكون، على حد قوله، أكثر أماناً من تقلبات الجو وخطر الحروب. وكان من بين ما غنمه بهذه الطريقة اثنا عشر تمثالاً، وخمسون لوحة من لوحات الواجهة، وست وخمسون قطعة من الإفريز. وأشار خبير النحت في المتحف البريطاني بعدم شراء هذه الآثار، ولم يوافق المتحف على أداء ٠٠٠ ر ١٧٥ ريال أمريكي ثمناً لها إلا بعد مفاوضات دامت عشر سنين. وكان هذا المبلغ أقل من نصف ما أنفقه لورد إلجين في الحصول عليها ونقلها (٥٣) إلى إنجلترا، وأطلقت المدافع مرتين على الأكربوليس في أثناء حرب الاستقلال اليونانية (١٨٢١ - ١٨٣٠) بعد بضع سنين من ذلك الوقت ودمر بذلك جزء كبير من هيكل الإركثيوم (٥٤). ولا تزال بعض أجزاء من واجهة البارثنون في أماكنها، وبعض ألواح من الإفريز في متحف أثينة، وعدد قليل غيرها في متحف اللوفر. ولقد شاد سكان ناشفيل، وتنسى، نماذج للبارثنون بأبعاده الأصلية ومن نفس المواد التي استخدمت في بنائه، ومبلغ علمنا أنها زينت ولونت بنفس الزينات والألوان. ويحتوي المتحف الفني بنيويورك على أنموذج ظني لداخل الهيكل.