"الغزل من العنكبوت، والبناء من العصفور، والغناء من العندليب والتَّمَّ"(٤٥)، و "قوة الجسم لا تكون من أسباب النبل إلا في دواب النقل، أما قوة الخلق فهي سبب النبل في الإنسان"(٤٦). وهكذا يفعل دمقريطس ما فعله من بعده الضالون في إنجلترا في عصر الملكة فكتوريا فيقيم على ميتافيزيقاه الشائنة صرحاً من المبادئ الخلقية الخلابة الظاهرة. "والأعمال الحسية يجب أن تصدر عن عقيدة لا عن قسر، ويجب أن يفعلها الإنسان للرغبة فيها لا أملاً فيما يناله عليها من جزاء … " ومن واجب الإنسان أن يشعر بالعار أمام نفسه إذا فعل الشر أكثر مما يشعر به أمام العالم كله" (٤٧). وقد أوضح حكمته، ولعله برر أيضاً نصائحه، بأن عاش حتى بلغ من السن مائة عام وتسعة أعوام، أو تسعين عاماً كما يقول بعضهم (٤٨). ويروي ديوجين ليرتيوس أنه لما قرأ دمقريطس على الجماهير أهم مؤلفاته كلها وصور كتاب العالم الأكبر Megas Diakosmos أهدت إليه مدينة أبدرا مائة وزنة (٠٠٠ ر ٦٠٠ ريال أمريكي)، ولكن لعل أبدرا كانت وقتئذ قد خفضت قيمة نقدها. ولما سأله بعضهم عن سر عمره الطويل أجاب بأنه كان يأكل عسل النحل في كل يوم وأنه كان يستحم بالزيت (٤٩). ولما رأى آخر الأمر أنه قد عاش من العمر ما يشتهي أخذ يقلل من طعامه يوماً عن يوم يريد بذلك أن يميت نفسه جوعاً شيئاً فشيئاً (٥٠)، ويقول ديوجين "إنه بلغ أرذل العمر (٥١) وإنه خيل إلى الناس أنه يحتضر. وحزنت أخته لأنه سيموت في أثناء عيد ثزموفوريا Thesmophoria فيحول موته دون قيامها بما يجب عليها نحو الإلهة، فما كان منه إلا أن أمرها بأن تخفف من لوعتها، وأن تأتيه كل يوم ببضعة أرغفة من الخبز الساخن (أو بقليل من عسل النحل (٥٢). وأخذ يضع هذا