للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خرافة اخترعت لتبرير جهلنا (٣٤). وكمية المادة تبقى على حالها، لا يضاف إليها شيء جديد، ولا يفنى منها شيء (٣٥)، وكل الذي يحدث هو تغير في اتحاد الجواهر الفردية. لكن صور الأشياء مع هذا لا حصر لها، وحتى العوالم نفسها يوجد منها في أكبر الظن عدد "غير محدود"، وهي تنشأ وتزول في موكب لا نهاية له (٣٦). وقد نشأت الكائنات العضوية في مبدأ أمرها من التراب المبلل (٣٧)، وكل شيء في الإنسان مصنوع من جواهر فردية، والروح نفسها مكونة من جواهر جد صغيرة ملساء مستديرة كجواهر النار، والعقل، والنفس، والحرارة الحيوية، والمبدأ الحيوي، كلها شي واحد، لا يختص بها الإنسان أو الحيوان بل هي منتشرة في العالم كله موزعة عليه، والجواهر الفردية العقلية الكائنة في الإنسان وغيره من الحيوانات التي بها نفكر في جميع أجزاء الجسم (١).

بيد أن هذه الجواهر الفردية الدقيقة التي تتكون منها النفس هي أكثر أجزاء الجسم نبلاً وأعظمها إثارة للدهشة. والرجل العاقل ينمي فكره، ويحرر نفسه من الانفعالات، والخرافات، والمخاوف، ويبحث بالتأمل والإدراك عن السعادة العقلية التي في متناول الحياة البشرية. والسعادة لا تنشأ من الطيبات الخارجية، بل ينبغي للإنسان أن يتعود على أن يجد في داخل نفسه مصادر متعته وسعادته" (٤٢). والثقافة خير من الغنى … ولا تستطيع قوة أو ثروة أن ترجح اتساع دائرة العلم" (٤٣). والسعادة تأتي متقطعة، و "اللذائذ المادية لا تشبع صاحبها إلا زمناً قصيراً" (٤٤)، لكن الإنسان ينال سروراً أدوم إذا حصل على سلا م النفس وصفائها (أتاركسيا Ataraxia) وعلى البهجة (Euthumia) . والاعتدال (Metriotes) قدر من النظام والتناسب في الحياة (Biou Symmetria) . وفي وسعنا أن نتعلم الشيء الكثير من الحيوانات-


(١) يعزو لكرتيوس Lucretius إلى "دمقريطس العظيم" القول بوجود نوع من الموازاة النفسية الجسمية. فقد "قال (دمقريطس) إن جواهر الجسم وجواهر العقل توضع أزواجاً كل منها بجوار الآخر، وبهذا نربط هيكل الجسم بعضه ببعض".