العمر مائة سنة وثمان سنين، لم يضعف جسمه من طول العمر، بل ظل إلى آخر حياته في جيد الصحة لا تقل قوة حواسه عن قوة حواس الشباب (٩٧).
وإذا كان السوفسطائيين مجتمعين قد كونوا مدرسة متفرقة، فإن هيبياس الإليسي (Elis) كان مدرسة بمفرده، وكان أنموذجاً للرجل المتعدد المعارف في عالم لم تكن المعرفة فيه قد بلغت من الاتساع حداً يجعلها في غير متناول عقل واحد. فقد كان يعلم الفلك والرياضيات، وكانت له بحوث مبتكرة في الهندسة وكان شاعراً، وموسيقياً، وخطيباً. وكان يلقي محاضرات في الأدب، والأخلاق والسياسة، وكان مؤرخاً، وضع أساس التأريخ اليوناني وتقويمه وتسلسله بأن جمع ثبتاً من أسماء الفائزين في الألعاب الأولمبية، وأرسلته إليس مبعوثاً لها لدى دول أخرى، وكان يعرف من الفنون والحرف عدداً كبيراً أمكنه به أن يصنع ملابسه وأدوات زينته (٩٨). وكان عمله في الفلسفة صغيراً ولكنه خطير، فقد كان يعترض على حياة المدن المصطنعة المؤدية إلى الانحلال، ويوضح الفرق بين الطبيعة والقانون، ويقول: إن القانون الظالم مستبد بالخلق (٩٩). وواصل برودكس ألكيوس عمل بروتاغورس في النحو، وحدد أجزاء الكلام، وأدخل السرور على الشيوخ بوضعه قصة خرافية يصف فيها هرقل وهو يختار الفضيلة المجهدة بدل الرذيلة الهينة (١٠٠). ولم يكن غيره من السوفسطائيين أتقياء مثله: وكان منهم أنتيفون الأثيني الذي حذا حذو دمقريطس في ماديته وإنكاره الآلهة، والذي عرّف العدالة تعريفاً يجعلها هي الطريقة الملائمة للظروف الموصلة إلى الغاية المطلوبة، ومنهم ثرازيماكس الخلقدوني Thrasymachus of Chalcedon الذي قال إن الحق هو القوة (إذا أخذنا بما يقوله عنه أفلاطون) وإن نجاح الأوغاد ليبعث في نفوسنا الشك في وجود الآلهة (١٠١).
والسوفسطائيين في مجموعهم يعدون من العوامل التي كان لها أعظم الأثر