"يعرف مَن من الناس حكيم ومن منهم يدعي الحكمة وهو من غير أهلها"(١٤٤) وقد حمى نفسه من التعرض لأسئلة الناس ومناقشتهم إياه بمثل ما يناقشهم هو بأن أعلن أنه لا يعرف شيئاً، وأنه يعلم الأسئلة جميعها ولكنه لا يعلم شيئاً من أجوبتها، وقال عن نفسه متواضعاً إنه من "هواة الفلسفة"(١٤٥). ولعل الذي يقصده بقوله هذا أنه ليس واثقاً من شيء غير تعرض الإنسان للخطأ، وأنه ليس لديه طائفة من العقائد والمبادئ المقررة الجامدة. ولما أن أجاب مهبط الوحي في دلفي جوابه المزعوم عن سؤال كريفون Chaerephon المزعوم: "هل في الناس من هو أعقل من سقراط" وهو: "لا أحد"(١٤٦)، عزا سقراط هذا الجواب إلى اعترافه هو بجهله، وشرع من تلك اللحظة يقوم بذلك الواجب العملي واجب الحصول على أفكار واضحة، وقال عن نفسه:"إنه سيتحدث من حين إلى حين عما يهم الجنس البشري، فيبحث عن الصالح وغير الصالح، والعادل وغير العادل، وما يتفق مع العقل وما لا يتفق معه، وعما يعد شجاعة وما يعد جبناً، وعن ماهية الحكومة التي تسيطر على الناس، وعن صفات الرجل البارع في حكمهم، ثم يستطرد إلى موضوعات أخرى … يرى أن من يجهلونها يعدون بحق في طبقة العبيد"(١٤٧). وكان إذا صادف فكرة غامضة، أو تعميماً هيناً غير قائم على الحقائق، أو هوى خامرَ المتحدث إليه على غير علم منه، تحدى محدثه بقوله:"ما هو؟ " ثم سأله أن يحدد ما يقول تحديداً دقيقاً. وأصبح من عادته أن يصحو مبكراً، ويذهب إلى السوق العامة، أو ساحات الألعاب أو مدارسها أو إلى حوانيت الصناع، ويأخذ في مجادلة أي إنسان يتوسم فيه الذكاء الحافز أو الغباء المسلي، وكان يسأل:"ألم يعمل الطريق إلى أثينة لكي يتحدث الناس فيه"(١٤٨)، وكانت الطريقة التي يتبعها سهلة خالية من التعقيد: كان يطلب إلى من يحدثه أن يعرف فكرة عامة شاملة، ثم يبحث هذا التعريف ليكشف