في العادة عما فيه من نقص، أو تناقض، أو سخف وبطلان، ثم يستدرج محدثة بأسئلته المتعاقبة إلى تعريف أتم وأصح لا يقوله هو أبداً. وكان ينتقل أحياناً إلى فكرة عامة أو عرض فكرة أخرى جديدة ببحث سلسلة طويلة من الحالات المفردة الخاصة مكنته من أن يدخل قدراً من طريقة الاستقراء في المنطق اليوناني، وكان في بعض الأحيان يكشف بطريقة التهكم السقراطي المشهور عن النتائج المضحكة السخيفة التي تترتب على التعريف أو الرأي الذي يريد أن يهدمه. وكان مولعاً بالتفكير المنظم شغوفاً به، يحب أن يصنف الأشياء المفردة حسب جنسها، ونوعها، وما بينها من فوارق معينة، وبذلك مهد السبيل إلى طريقة أرسطاطاليس في التعريف، وإلى نظرية أفلاطون في الأفكار. وكان يصف الجدل بأنه فن التمييز بين الأشياء بعناية، وأنار دياجير المنطق المظلمة بفكاهته التي قدر عليها ألا يطول أجلها في تاريخ الفلسفة.
وكان معارضوه يعيبون عليه أنه يهدم ولا يبني، وأنه يرفض كل جواب ولا يجيب هو بشيء من عنده، وأنه بهذا أفسد الأخلاق وشل التفكير، وأنه في كثير من الحالات ترك الفكرة التي أراد أن يوضحها وهي أكثر غموضاً من ذي قبل وكان إذا حاول شخص حازم مثل أقريتياس Critias أن يسأله حوّل جوابه إلى سؤال آخر فأصبحت له من فوره ميزة على سائله. نعم إنا نراه في البروتاغوراس يعرض أن يجيب على الأسئلة لا أن يسأل، ولكن هذه النية الطيبة لا تدوم إلا لحظة قصيرة، وعندئذ ينسحب بروتاغوراس، وهو الذي تمرس في المنطق من زمن طويل، من ميدان الجدل بهدوء (١٤٩). ويستشيط هيبياس غضباً من تملص سقراط وهروبه من الإجابة عما يوجه إليه من أسئلة، ويرفع عقيرته بقوله: "قسماً بزيوس إنك لن تسمع (جوابي) حتى تعلن أنت ما ترى أنه العدالة، لأنه لا يكفي أن تسخر من الناس، وأن تسأل كل إنسان وتربكه، ثم تأبى أن تفصح