عن سبب لأي إنسان، أو أن تعلن عن رأيك في موضوع ما" (١٥٠). وقد أجاب سقراط عن هذا التقريع وأمثاله بقوله إنه ليس إلا قابلة كأمه، "إن اللوم الذي يوجه إليّ كثيراً، وهو أني أسأل الناس أسئلة وأن ليس لدي من العقل ما أستطيع به أن أجيب عنها، لوم عادل لا اعتراض لي عليه، وسببه أن الله قد أرغمني على أن أكون قابلة، ونهاني عن أن ألد" (١٥١). وذلك لعمري هروب واضح ما أخلقه بصديقه يوربديز.
وهو يشبه السوفسطائيين من وجوه كثيرة، ولم يكن الأثينيون يترددون في أن يطلقوا عليه هذا الاسم، على أنهم لم يكونوا يقصدون بهذا أن يعيبوه أو ينقصوا من قدره (١٥٢). والحق أنه كان سوفسطائياً بالمعنى الحديث لهذا اللفظ أي كان بارعاً في المراوغات الماكرة، والحيل الجدلية، يبدل مجال الألفاظ أو معانيها بحذق ودهاء، ويغرق المسألة التي يجادل فيها بالتشبيهات والاستعارات المفككة، ويماحك ويغالط كما يغالط صبيان المدارس، ويحارب بالألفاظ حرب الأبطال ولكن إلى غير غاية (١٥٣). وقد يعفو الإنسان عمن جرعوه السم لأنا لا نرى أن ثمة آفة شراً من المنطقي العارف بقوة منطقه. وكان يختلف عن السوفسطائيين في أربعة أمور: كان يكره البلاغة، وكان يرغب في تقوية الأخلاق، ولم يكن يدعي أنه يعلم أكثر من فن بحث الأفكار، وكان يأبى أن يأخذ أجراً على تعليمه - وإن كان يبدو أنه قبل في بعض الأحيان عوناً من بعض الأغنياء من أصدقائه (١٥٤). وكان تلاميذه يحبونه أشد الحب رغم عيوبه التي كانت تضايقهم، وقد قال مرة لواحد منهم: "ربما استطعت أن أساعدك في السعي لنيل الشرف والفضيلة، لأن كلامنا يميل إلى حب صاحبه، وأنا إذا أحببت الناس من كل قلبي وبادلوني هم حبهم من كل قلوبهم، يسوءني غيابهم عني كما يسوءهم غيابي عنهم. وأتوق لصحبتهم كما يتوقون لصحبتي" (١٥٥).