ويمثل أرسطوفان في رواية السحب تلاميذ سقراط بأنهم قد أنشأوا مدرسة ذات مكان معين يجتمعون فيه، وفي أكسانوفون فقرة تؤيد هذه الفكرة بعض التأييد (١٥٦)، ولكنه يصور لنا عادة بأنه يعلم في أي مكان يجد فيه من يعلمه، أو من يستمع إليه، غير أننا لا نجد عقيدة خاصة أو مبدأ خاصاً يجمع علينا أتباعه، فقد كانوا يختلفون فيما بينهم اختلافاً بلغ من شدته أن أصبحوا زعماء لأشد المدارس اختلافاً في بلاد اليونان - الأفلاطونية، والكلبية، والرواقية والأبيقورية، والتشككية. فكان منهم أنتستان Antisthenes الفخور الذليل الذي أخذ عن أستاذه مبدأ البساطة في الحياة وحاجاتها، وأسس المدرسة الكلبية. ولعله كان حاضراً حين قال سقراط لأنتيفون:"يبدو أنك تظن أن السعادة في الترف والإسراف، أما أنا فأرى أنك إذا لم تكن في حاجة إلى شيء كنت شبيهاً بالآلهة، وأنك إذا أقللت من حاجاتك قدر استطاعتك أصبحت أقرب ما تكون إلى الآلهة"(١٥٧). وكان منهم أيضاً أرستبوس الذي بنى على اعتراف سقراط بأن "في اللذة خيراً" العقيدة التي نشرها بعدئذ في قوريني Cyrene والتي دعا إليها أبيقور أثينة فيما بعد. ومنهم إقليدس الميغاري الذي جعل من الجدلية السقراطية تشككية تنكر المقدرة على كل معرفة حقة. وكان منهم الشاب فيدون الذي كان قد انحط إلى طبقة العبيد ثم افتداه قريطون Crito بإيعاز سقراط، وأحب سقراط هذا الشاب و "جعله فيلسوفاً". وكان منهم أكسانوفون القلق المضطرب الذي تخلى عن الفلسفة ليكون جندياً، ولكنه أثبت أن "لا شيء أعظم نفعاً من صحبة سقراط، والتحدث إليه في أية مناسبة وفي أي موضوع مهما يكن شأنه"(١٥٩). ومنهم أفلاطون الذي تأثر خياله القوي بالفيلسوف الحكيم تأثراً لم يفارقه طول حياته حتى امتزج العقلان وصارا في تاريخ الفلسفة عقلاً واحداً. ومنهم أقريطون الثري، الذي كان يهيم حباً بسقراط، والذي كان يحرص أشد الحرص على ألا يكون الفيلسوف الكبير في حاجة إلى