عند اليونان لم تكن إلا صورة فنية معقدة ينسج منها الشعر، والموسيقى، والتمثيل، والرقص، وتتألف منها كلها وحدة عميقة متحركة (١).
ولكن المسرحية رغم هذا هي أهم شيء، والجائزة تمنح لها أكثر مما تمنح للموسيقى، وتمنح للتمثيل أكثر مما تمنح للمسرحية؛ وكان في وسع الممثل الماهر أن يرفع من شأن مسرحية متوسطة فتفوز هي بالجائزة (٢٦). ولم يكن الممثل - وهو دائماً من الذكور - شخصاً محتقراً كما كانت الحال في رومة؛ بل كان يكرم أعظم تكريم، فيعفى من الخدمة العسكرية، ويمر آمناً بين صفوف الجند في زمن الحرب. وكان يلقب هبكريتسس Hypokrites، وكان معنى هذا اللفظ عندهم هو المجيب، أي المجيب على النشيد الجماعي. ولم يؤد الدور الذي يقوم به الممثل من انتحال شخصية إنسان آخر إلى تغيير معنى هذه الكلمة فيصبح معناها "المنافق" إلا بعد ذلك العهد. وكان الممثلون يؤلفون لهم طائفة أو نقابة قوية تسمى نقابة "الفنانين الديونيشيين"، انتشر أعضاؤها في جميع بلاد اليونان؛ وكانت جماعات من الممثلين تنتقل من مدينة إلى أخرى، يؤلفون مسرحياتهم ويلحنون موسيقاها، ويصنعون ملابسهم، ويقيمون مسارحهم. وكان دخل كبار الممثلين عظيماً كما هو شأنهم في جميع الأوقات، أما المتوسطون منهم فكان دخلهم قليلاً مزعزعاً (٢٧)؛ وكانت أخلاقهم هي الأخلاق التي يتوقع الإنسان وجودها في أقوام يتنقلون من مكان إلى مكان، وتختلف معيشتهم بين الترف والفقر، يمنعهم توتر أعصابهم من أن يحيوا حياة سوية مستقرة.
(١) ولقد ظلت الموسيقى ذات شأن هام في ثقافة عصر اليونان الزاهر (٤٨٠ - ٣٢٣) واشتهر من مؤلفيها في القرن الخامس ثيموثيوس الملطي Timotheus of Miletus وكتب مقطوعات كانت الموسيقى فيها تطغى على الشعر، وكانت عبارة عن قصة ذات حوادث صالحة للتمثيل. وقد زاد أوتار القيثارة اليونانية فجعلها أحد عشر وتراً، وقام بتجارب في الأساليب المعقدة المحكمة، فأثر بهذا جماعة المحافظين في أثينة وظلوا ينددون به حتى هم بالانتحار، ولكن يوربديز هدأ ثورته واشترك معه في عمله، وتنبأ بأن بلاد اليونان ستخسر ساجدة له، وقد صدقت نبوءته.