للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان النظارة جماعة مرحين ليسوا أحسن ولا أسوأ أخلاقاً من أمثالهم في غير بلاد اليونان. وكانوا وهم يشاهدون التمثيل ويستمعون إليه يأكلون البندق والفاكهة ويشربون الخمر. وكان أرسطاطاليس يقترح أن تقدر قيمة إخفاق المسرحية بمقدار ما يؤكل من الطعام في إثناء تمثيلها. وكانوا يتنازعون المقاعد، ويصفقون ويصرخون لمن يحبون من الممثلين، ويصفرون ويزمجرون حين يغضبون؛ فإذا رأوا ما يدعوا إلى احتجاج أقوى من هذا، دفعوا المقاعد بأقدامهم إلى الأرض، وإذا ثاروا أخرجوا الممثل عن المسرح بالزيتون أو التين أو الحجارة (٣١). وكاد إسكنيز أن يلقى حتفه رجماً بالحجارة عقاباً له على وضع مسرحية بغيضة، وكاد إسكلس أن يقتل لأن النظارة اعتقدوا أنه أفشى بعض أسرار الطقوس الإليوزينية الغامضة. وقد حدث أن استعار موسيقى كمية من الحجارة ليبني بها بيتاً، ووعد من استعارها منه أن يردها إليه مما سيجمعه من عمله في المسرحية التالية (٣٢). وكان الممثلون في بعض الأحيان يستأجرون جماعة من المصفقين، لكي يطغى تصفيقهم على ما يخشونه من صفير النظارة، وكان بعض الممثلين الهزليين يلقون بالبندق إلى النظارة يرشونهم به لكي يظلوا هادئين (٣٣). وكان النظارة يستطيعون إذا شاءوا أن يحولوا دون إتمام التمثيل بما يحدثونه من ضجة متعمدة، ويحتمون تمثيل المسرحية الثانية (٣٤). وبهذه الطريقة كان يمكن اختصار البرنامج التمثيلي إلى الحد الذي يطيقونه.

وكان التمثيل في مدينة ديونيشيا يدوم ثلاثة أيام، تمثل في كل منها خمس مسرحيات - ثلاث مآس ومسرحية خرافية يكتبها شاعر، ومسلاة يكتبها شاعر آخر (٣٥). وكان التمثيل يبدأ في الصباح الباكر ويستمر إلى ما بعد الغروب؛ ولم تكن مسرحية ما تمثل مرتين في ملهى ديونيشس إلا في أحوال نادرة،