على فهم أخلاق الناس، وروعة الأسلوب، وهي مميزات لا نراها مجتمعة مرة أخرى إلا في شكسبير. والمسرحية الثلاثية محبوكة حبكاً قوياً كأن أجزاءها ثلاثة فصول في مسرحية حديثة، فكل جزء منها يمهد للجزء الذي يليه ويستدعيه في تتابع منطقي محتو م لا مفر منه، وكلما أعقبت إحدى مسرحيات المجموعة المسرحية التي قبلها تزداد رهبة الموضوع، ويبدأ الإنسان يدرك كيف كانت هذه القصة تثير أحاسيس اليونان. ولسنا ننكر أن الرواية مثقلة بالكلام الكثير الذي لا يبرره مقتل أربعة أشخاص، وأن ما فيها من أغان كثيراً ما يكون غامضاً عسير الفهم، وأن ما في هذه الأغاني من تشبيهات واستعارات قد بولغ فيه كثيراً، وأن لغتها في بعض الأحيان ثقيلة خشنة متكلفة. لكن هذه الأغاني مع ذلك لا يفوقها شيء من نوعها، فهي مليئة بالعظمة والحنو، بليغة فيما تدعو إليه من دين جديد هو دين العفو والمغفرة، ومن فضائل النظام السياسي الذي يؤذن بالزوال.
ذلك أن الأرستيا تبلغ من التحفظ ما تبلغه برومثيوس من التطرف وإن لم يكن بينهما إلا فترة من الزمان لا تزيد على سنتين، لقد جرد إفيلتيز الأرببجس من اختصاصه في عام ٤٦٢، وفي عام ٤٦١ قتل، وفي عام ٤٥٨ عرض إسكلس في الأرستيا دفاعاً عن هذا المجلس قال فيه إنه أحكم هيئة في حكومة أثينة. وكان الشاعر في ذلك الوقت قد طال أجله وضرسته السنون، وكان في وسعه أن يفهم الشيوخ أكثر مما يفهم الشبان، وكان مثل أرسطوفان يتوق لأن يتحلى بفضائل رجال مرثون. ويريد أثنيوس منا أن نعتقد أنه كان سكيراً (٥١) ولكننا نراه في الأرستيا رجلاً متزمتاً يعظ الناس من فوق المسرح، ويحذرهم من الخطيئة وما يتبعها من عقاب، ويبين لهم ما يعقب الألم من حكمة، ويشرح قانون العتو والانتقام، وهو مبدأ آخر من مبادئ الخطيئة الأولى، ويقول إن كان عمل غي صالح سينكشف يوماً ما ويعاقب مقترفة في إحدى حيواته. وبهذا حاول التفكير