"وهنا تخرج الأرض عشباً عجيباً لم يتغن أحد بمثله في جزيرة بلبس Pelops الدورية القريبة، ولم ينبت في أرض آسية البعيدة. وهو نبات متجدد النظارة على الدوام، يجدد نفسه، ويتوالد بنفسه، يلقي الرعب في قلوب أعدائها المسلحين: فهو لا يبلغ في غير هذه البلدة ما يبلغه فيها من جمال وازدهار، بأوراقه الريشية الملساء ذات الزرقة السنجابية البراقة كالفضة، والذي يغذي البلدة بعصير زيتونه. ولن تستطيع قوة أو يد مخربة أن تخرب المدينة سواء كانت قوة الشباب الأهوج أو حكمة الشيخوخة المجربة لأن قرص زيوس السماء يرعاها هو والضياء الأزرق المنبعث من عين أثينة".
وكانت نبوءة قد سمعت بأن أوديب سيموت بجوار اليمنيديات، فلما عرف أنه الآن في أيكتهن المقدسة بكولونس أيقن هذا الشيخ الذي لم يجد في الحياة جمالاً أن الموت يحلو في ذلك المكان. وينادي لثسيوس ملك أثينة بأبيات كأنه يخترق بها حجب الغيب ويجمع فيها القوى التي كانت تعمل على إضعاف بلاد اليونان وهي فقر التربة، وقلة الإيمان، وضعف الأخلاق والرجال:
"إن آلهة السماء وحدها هي التي لا تصل إليها الشيخوخة ولا الموت لأي سبب من الأسباب، وكل ما عداها يعدو عليه الزمان المسيطر على كل شيء، فتذهب قوة الأرض، وتذبل زهرة الرجولة، وينعدم الإيمان، ويزدهر الإلحاد ازدهار الزهرة، ومن ذا الذي يستطيع أن يجد في شوارع الناس المفتوحة، أو في مكنون حبه الخفي ريحاً تهب صادقة إلى أبد الدهر؟ " (٦٧).
ثم يبدو كأن أوديب يسمع نداء إله من الآلهة فيودع أنتجوني وإزميني وداعاً رقيقاً، ويسير إلى الأيكة المظلمة وليس معه إلا ثسيوس وحده.
"وسرنا قليلاً ثم التفتنا فإذا الرجل قد اختفى؛ ولم يبق إلا الملك (١)، وقد رفع إحدى يديه ليظل بها عينيه، كما يفعل الإنسان إذا تراءت له رؤية