رهيبة مروعة لا تقوى عيناه على التطلع إليها … وما من أحد غير ثسيوس يعرف كيف قضى نحبه … فلعل إنساناً أرسلته الآلهة ليهدي خطاه، أو لعل الأرض قد أشفقت عليه ففغرت فاها وابتلعته حتى لا يصيبه ألم. وهكذا اختفى الرجل ولم يخلف وراءه شيئاً نحزن لأجله - لم يترك العالم بعد أن ينهكه المرض والألم؛ بل اختتم حياته، إن كان قد اختتمها، ختاماً عجيباً" (٦٨).
وفي المسرحية الثالثة في ترتيب الحوادث، والظاهر أنها هي أول ما كتب من المسرحيات الثلاث، توارى أنتجوني الوفية في قبرها. فقد سمعت أن أخويها بولينيسيز وإتيكليز يتنازعان عرش المملكة، فعادت مسرعة إلى طيبة ترجو أن توفق بينهما، ولكنهما لا يصغيان إليها، ويوصلان الحرب حتى يقضى عليهما ويستولي كريون Creon حليف إتكليز على العرش، ويأمر ألا تدفن جثة بولينيسيز عقاباً له على ثورته. ولكن أنتجوني تعصى هذا الأمر وتدفن جثة أخيها لأنها تعتقد، كما يعتقد سائر اليونان، أن روح الميت لا تفتأ تعذب ما دامت جثته لم تدفن. وفي هذا المقام تغني فرقة المرتلين أغنية تعد من أشهر أغاني سفكليز:
"ما أكثر العجائب في هذا العالم، ولكن لا شيء أعجب من الإنسان؛ فهو يشق طريقه المحفوف بالأخطار خلال المضيق ذي الماء المزبد فوق متن البحار الصاخبة، تدفعه ريح الجنوب الهوجاء. والأرض أقدم الآلهة التي لا يعتريها نصب ولا وهن يفلحها ويقلبها سنة بعد سنة بمحراثه ونيره على رقاب الجياد.
"ويصيد بفخاخه المنسوجة طيور الهواء الحمقاء، ووحوش الغاب والفلوات، وسمك البحار المالحة. ألا ما أشد مكره. فهو يذلل بحيله التي لا آخر لها الثور الوحشي والأيل الذي يمرح حراً في الجبال، ويخضع للجامه الجواد الأشعث ذا اللبد. أما الكلام وإسداء النصح العاجل والذكاء فقد عرفها كلها بنفسه،