للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعرف كيف يسقط المطر السريع وكيف تهب الريح العاتية الطليقة التي تتجمد تحت سماء الشتاء. وهو مستعد لكل ما يصادفه، فقد عرف كيف يتحمل الوباء الوخيم، وكيف ينجو من كل ما يصيبه، ولكنه مع هذا كله لم يجد دواء يرد عنه الموت" (٦٩).

ويحكم كريون أن تدفن أنتجوني حية، ويحتج ابنها هيمون على هذا الحكم الظالم الرهيب، فلا يفيد احتجاجه فيقسم لأبيه "إنك لن ترى وجهي بعد الآن". وهنا لأول مرة يحدث الحب أثره في مأساة سفكليز وينشد الشاعر لإله الحب نشيداً ظل الأقدمون يذكرونه عهداً طويلاً:

"أيها الحب؛ يا من لا يقوى على صدك شيء في الكفاح، كل الناس يخضعون إذا ألقيت عليهم نظرة من عينيك. الحب يرقد طول الليل على خد العذراء، ويطوي الربا والقفار، ويشق عباب البحار. أيها الحب يا من يقع الآلهة في أسرك، هل يقوى الآدميون على النجاة من قبضتك؟ " (٧٠).

ويختفي هيمون، ويجد كريون في البحث عنه ويأمر جنوده بأن يفتحوا الكهف الذي دفنت فيه أنتجوني، فيجدها ميتة وإلى جانبها هيمون قد وطد العزم على الموت.

"ونظرنا، وفي قبوة الكهف المظلم رأيت الفتاة مخنوقة هناك، وقد لف حبل من التيل وعقد حول عنقها، وإلى جانبها حبيبها ممسك بجثتها الهامدة يندب عروسه الميتة … فلما أن رآه الملك صرخ صرخة مروعة واتجه نحوه وهو يصيح: "أي ولدي، ماذا فعلت بنفسك؟ وماذا يؤلمك؟ وأية كارثة حلت بك فسلبت عقلك؟ أقبل يا ولدي أقبل، إن أباك يتوسل إليك". ولكن ابنه أحدق فيه بعينين كعيني النمر، وبصق في وجهه، ثم استل سيفه ذا المقبضين دون أن ينبس ببنت شفة وضرب؛ غير أن أباه تراجع إلى الوراء فأخطأته الضربة. وغضب الغلام الداعر البائس من نفسه، فسقط على حد سيفه،