وهو يبدأ مسرحية ميلانبي المفقودة بهذين البيتين اللذين يثيران أعظم الدهشة: أي زيوس، إن كان ثمة زيوس، لأني لا أعرف عنه إلا ما يقوله الناس فيه.
ويقال إن النظارة حين سمعوا هذا القول هبوا واقفين احتجاجاً عليه، وهو يختم هذه المسرحية بقوله:
والآلهة الذين يعدهم البشر حكماء، ليسوا أكثر وضوحاً من أحلام مجنحة؛ ولا تختلف أساليبهم عن أساليب الآدميين، فهي كلها فوضى واضطراب يتلوه اضطراب. ومن أراد أن يكون أقل الناس عذاباً، وألا تعمى بصيرته كما يعمى الكهنة بصائر البلهاء، يمض إلى الموت الذي يعرفه من يعرفونه (١٠٤).
وهو يعتقد أن مصائر الناس نتيجة لأسباب طبيعية، أو للمصادفات العمياء، وليست من تدبير قوى عاقلة مفكرة تتصف بها كائنات تسمو على الكائنات البشرية (١٠٥)، ويفسر بعض ما يظنه الناس معجزات تفسيراً يستند إلى العقل والمنطق: فيقول مثلاً إن ألستيز لم تمت حقاً، بل أخذت لكي تدفن حية، ولكن هرقل أدركها قبل أن تموت (١٠٦). وهو لا يقول لنا صراحة ما يعتقده هو نفسه في هذا، ولعل منشأ ذلك هو شعوره بأن ما يورده من الشواهد لا يؤدي إلى الاعتقاد الواضح؛ لكن عباراته التي هي أكثر ما يمتاز بها عن غيره هي العبارات الدالة على الإيمان بوحدة الوجود، وعلى العقيدة التي أخذت من ذلك الوقت تحل عند المتعلمين من اليونان محل عقيدة الشرك القديمة:
"يا صاحب الأساس العميق الذي يقوم عليه العالم، ويا ذا العرش الرفيع الذي يعلو على العالم، أياً كنت، يا من لا نعرفك ويصعب علينا أن نتصورك، يا منسق الموجودات، ويا عقل عقولنا؛ إليك يا الله أرفع صوتي بالثناء، لأني أرى فيك السبيل الصامتة التي تأتي بالعدالة، قبل أن يصل إلى نهاية أجله كل من يحيا ويموت (١٠٧).