والعدالة الاجتماعية هي النغمة الصغرى في أغانيه؛ وهو يتمنى، كما يتمنى جميع من امتلأت قلوبهم عطفاً على الخلق، أن يحين الوقت الذي يكون فيه الأقوياء أكثر مم هم عطفاً على الضعفاء، والذي يقضي فيه على أسباب البؤس والنزاع (١٠٨)؛ وتراه حتى في أيام الحرب، وما تستلزمه من إثارة الروح الوطنية والحماسة للقتال، يصف مصائب الحرب وأهوالها وصفاً واقعياً لا يخفى فيه شيئاً هذه الأهوال:
كيف تعمى عيونكم يا من تدكون المدن، وتخربون المعابد، وتدمرون القبور، تلك الأحداث المحرمة التي يثوي فيها الموتى القدامى؟ ألا تعلمون أنكم عما قريب ستموتون (١٠٩)؟.
ويمتلئ قلبه حسرة حين يرى الأثينيين يقاتلون الإسبارطيين، وتدوم الحرب بينهم خمسين عاماً، يستعبد فيها بعضهم بعضاً، ويهلك فيها خير رجالهم؛ ويدعو في إحدى مسرحياته المتأخرة دعوة حارة مؤثرة إلى السلام:
"أيتها السلم؛ إنك تفيضين بالخير العميم كأنك تأتين به من نبع عميق؛ ليس في العالم كله جمال كجمالك، بل إنا لا نرى له مثيلاً حتى بين الآلهة الأخيار. إن قلبي يكاد يتفطر لطول غيابك، لقد وهن العظم مني ولم تعودي؛ وهل تكل عيناي قبل أن تريا زهرتك وجمالك؟ وهل يقضي عليّ المشيب والأحزان قبل أن تسمع أذناي مرة أخرى أغاني الراقصين الشجية ووقع أقدام من تطوق رؤوسهم أكاليل الزهر؟ ألا عودي إلى مدينتنا أيتها الحبيبة المقدسة ولا تقيمي بعيدة عنا يا من تطفئين الحقد. إن العداوات والأحقاد ستفارقنا إذا أقمت معنا وسيخرج من أبوابنا الجنون وظبا السيوف (١٠٩ أ).
ويكاد ينفرد من بين كُتاب عصره العظام بالجرأة على مهاجمة الرق. ذلك أنه قد اتضح له في أثناء حرب البلوبونيز أن معظم الأرقاء لم يكونوا كذلك بطبيعتهم، بل إنهم قد ساقتهم إلى هذه الحال ظروف الحياة وحدها؛