المفصول في يديها ظناً منها أنه رأس أسد، وتغني عليه أغنية نصر. ثم تفيق فتدرك أنها تمسك برأس ابنها، وتشمئز من تلك الطقوس التي أسكرتها وأفقدتها وعيها، ويقول لها ديونيشس إنها سخرت منه وهو إله، وإن ذلك هو جزاؤها على هذه السخرية، فتجيبه بقولها وهل يليق بالإله أن يشبه بالرجل المتكبر في نوبة غضبه؟ والدرس الأخير الذي يلقيه علينا يوربديز في هذه المسرحية هو بعينه الذي يلقيه علينا في أولى مسرحياته، ولقد كان يوربديز في مسرحيته التي وضعها وهو يحتضر هو بعينه يوربديز الذي عهدناه في أيامه الأولى.
وذاع صيته وأحبه الناس بعد موته حتى في أثينة نفسها، وأصبحت الفكرة التي جاهد من أجلها هي الآراء المسيطرة على العقول في القرون التالية. ولما انتشرت الحضارة اليونانية خارج بلاد اليونان نفسها أخذ المتحضرون الجدد يعدونه هو وسقراط أعظم من عرفتهم بلاد اليونان من أصحاب العقول الملهمة الحافزة. ذلك أن يوربديز كان يعالج المسائل الحية لا أقاصيص الشعر الميتة، ولقد ظل العالم يذكره ولم ينسه إلا بعد زمن طويل. فقد خيم النسيان على مسرحيات من سبقوه من المؤلفين؛ أما مسرحياته فكان تمثيلها يتكرر في كل عام، وفي كل مكان أنشئ فيه مسرح يوناني. ولما أخفقت الحملة التي وجهت إلى سرقوصة (٤١٥) والتي تنبأ يوربديز بإخفاقها في مسرحية المرأة الطروادية، وواجه الأسرى الأثينيون الموت أحياء وهم يعملون عبيداً مصفدين بالأغلال في محاجر صقلية، ولما حدث هذا أطلق سراح كل من استطاع أن ينشد فقرات من مسرحيات يوربديز (كما يحدثنا بذلك بلوتارخ (١٢٣)). وقد صيغت المسلاة الجديدة على غرار مسرحياته، وتطورت منها؛ وفي ذلك يقول أحد زعماء هذه المسلاة: "لو أنني كنت واثقاً من أن للموتى عقولاً تدرك لشنقت نفسي لكي