ألا يمحو الزمان ما قام به الهلينيون والبرابرة من أعمال مجيدة عجيبة، ويقصد به بنوع خاص ألا تنسى الأسباب التي من أجلها شنوا الحرب بعضهم على بعض".
والكتاب إلى حد ما "تاريخ عالمي" لأنه يتناول قصة جميع الأمم التي تسكن في شرق البحر الأبيض المتوسط، وهو أوسع في مجال بحثه من الموضوع الضيق الذي شمله كتاب توكيديدز، وتسري في الكتاب روح الوحدة غير المقصودة بما يتضمنه من بيان الفرق بين حكم البرابرة المطلق والديمقراطية اليونانية؛ ثم ينتقل بخطى وئيدة واستطرادات مضطربة إلى الخاتمة الروائية المتوقعة في سلاميس. والغرض من الكتاب كما يقول المؤلف هو تسجيل "الأعمال العجيبة والحروب" (١٣٨)، والحق أن القصة في بعض مواضعها تعيد إلى الذاكرة سوء فهم جبن Gibbon للتاريخ حين يقول إنه "لا يعدو أن يكون سجلاً لجرائم البشرية وحماقاتها ومصائبها"(١٣٩). على أن هيردوت رغم هذا يتسع له المجال لإيراد حقائق طريفة لا تحصى عن ملابس الجماعات التي يصفها، وعاداتها، وأحلامها، ومعتقداتها. وهو يذكر لنا كيف يستطيع المصريون أن يقفزوا إلى النار، وكيف يسكر أهل الدانوب من رائحة الخمر، وكيف بنيت أسوار بابل، وكيف يأكل المساجيتي Massagetee آباءهم، وكيف كانت لكاهنة أثينة في بداسس Pedasus لحية ضخمة. وهو لا يقتصر على تصوير الملوك والملكات، بل يصور كذلك الرجال من جميع الطبقات، ويبعث الحياة في صحفه بذكر النساء اللاتي لا يجدن لهن مكاناً في كتاب توكيديدز، ويصف أحذيتهن، وجمالهن، وقسوتهن، وفتنتهن.
وفي "هيرودوت كثير من الهراء" كما يقول استرابون (١٤٠)، ولكن المجال الذي يبحث فيه مؤرخنا واسع سعة مجال أرسطاطاليس، وفيه فرص كثيرة للزلل، وجهله لا يقل سعة عن عمله، كما لا تقل سذاجته وسرعة