القصص الخرافية، أو الأساطير، أو المعجزات. وهو يقبل قصص البطولة، ولكنه يحاول أن يفسرها بالاستناد إلى العلل الطبيعية؛ ويغفل ذكر الآلهة إغفالاً تاماً، ولا يجعل لها موضعاً في كتابه، ويسخر من النبوءات والوحي ومن غموضها الذي يجعلها في مأمن من الخطأ (١٥٠). ويندد في سخرية بغباء نيشياس إذ يركن إلى النبوءات بدل أن يركن إلى المعرفة الحقة. وهو لا يعترف بوجود قوة عليا مدبرة مرشدة، أو خطة إلهية موضوعة محكمة، بل إنه لا يعترف حتى "بالتقدم" نفسه؛ وهو ينظر إلى الحياة والتاريخ نظرته إلى مسرحية دنيئة ونبيلة معاً، يرفع من شأنها بين الفينة والفينة عظماء الرجال، ولكنها تهوي على الدوام إلى وهدة الخرافة، والحرب. وفي شخصه يحسم النزاع بين الدين والفلسفة وتنتصر الفلسفة.
وبعد، فإن بلوتارخ وأثينيسوس يشيران في كتبهما إلى مئات من المؤرخين اليونان، ولكن الذين عاشوا منهم في العصر الذهبي، عدا هيرودوت وتوكيديدز قد عدا الدهر عليهم كلهم تقريباً فعفت آثارهم، ومن جاء بعدهم من المؤرخين لم يبق من كتبهم إلا فقرات متفرقة. وقد حدث هذا بعينه لمختلف الآداب اليونانية الأخرى؛ فليس لدينا من آثار كُتاب المآسي المسرحية الذين يعدون بالمئات والذين نالوا الجوائز في حفلات ديونيشيا إلا عدد قليل من المسرحيات كتبها ثلاثة من الشعراء، أما كتّاب المسالي الكثيرون فلم يبق إلا أثر لواحد منهم، ولم يبق من فلسفة ذلك العصر إلا آثار رجلين اثنين. وفي وسعنا أن نقول بوجه عام إنه لم يبق من الآداب اليونانية التي يعزوها النقاد إلى القرن الخامس قبل الميلاد أكثر من جزء واحد من عشرين جزءاً من نتاج ذلك القرن، وإنه لم يبق من آثار القرون التي سبقته أو تلته إلا أقل من هذا القليل (١٥١). والكثرة الغالبة مما بقي لنا قد جاءتنا من أثينة؛ ولقد أنبتت المدن الأخرى، كما نستدل من عدد الفلاسفة الذين بعثت بهم إلى أثينة، عدداً كبيراً من العباقرة؛ ولكن البربرية التي طغت عليها من خارجها ومن أسفل منها