للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبلغت أقراغاس في عهد ثيرون درجة من الغنى قال فيها أنبادوقليس: "ينغمس رجال أقراغاس في الترف كأنهم يموتون غداً، ولكنهم يؤثثون بيوتهم كأنهم يعيشون أبداً" (١). وترك جيلون الأول بعد موته في عام ٤٧٨ لسرقوصة نظاماً إدارياً لا يكاد يقل إحكاماً عن النظام الذي خلفه نابليون لأوربا الحديثة. وأضحت المدينة في عهد أخيه هيرون الأول الذي جلس على العرش من بعده مركزاً للأدب والعلم والفن فضلاً عن التجارة والثروة. وفيها أيضاً بلغ الترف غايته. فكانت المآدب السرقوصية مضرب المثل في البذخ، وكثرت "البنات الكورنثيات" في المدينة حتى كان الرجل الذي ينام في منزله يعد من القديسين؛ وكان الأهلون سريعي البديهة حداد الألسنة، يستمتعون بالخطب البليغة إلى حد أفسد عليهم أمورهم، ويتزاحمون في الملهى الفخم ذي الهواء الطلق ليستمعوا إلى مسالي إبكارمس ومآسي إسكلس (١).

وكان هيرون هذا ملكاً مستبداً غليظ القلب حسن القصد، قاسياً على أعدائه، مكرماً لأصدقائه. فتح بابه وخزائنه لسمونيديز، وبكليديز، وبندار، وإسكلس، واستعان بهم على جعل سرقوصة إلى وقت ما عاصمة اليونان العقلية.

لكن الناس لا يعيشون على الفن وحده؛ وكان السرقوصيون يتوقون إلى نعمة الحرية، فلما توفي هيرون خلعوا أخاه وأقاموا حكومة ديمقراطية مقيدة، وشجع هذا مدن الجزيرة الأخرى، فحذت حذو سرقوصة وطردت الطغاة الحاكمين، وقضت على الأشراف ملاّك الأراضي وأنشأت ديمقراطيات تجارية تقوم على نظام من الاسترقاق القاسي الشديد. وقضت الحرب بعد ستين


(١) وأكبر الظن أن هذا الملهى قد بني في عهد هيرون الأول (٤٧٥ - ٤٦٨) ثم أعيد بناؤه في عهد هيرون الثاني (٢٧٠ - ٢١٦). وقد بقي منه جزء كبير. ومثلت فيه في هذا القرن الكثير من المسرحيات اليونانية القديمة.