ميلوس أن يخضعوا وأعلنوا أنهم سيفوضون أمرهم إلى الآلهة ويضعون فيها ثقتهم. ولما أن وصلت بعدئذ إلى الأسطول الأثيني إمدادات لا قبل لهم بها استسلموا للغزاة الفاتحين بلا شرط ولا قيد. وأعدم الأثينيون كل من وقع في أيديهم من الذكور البالغين، وباعوا النساء والأطفال بيع الرقيق، وأقطعوا الجزيرة لخمسمائة من المستعمرين الأثينيين. وابتهجت أثينة بهذا الفتح المبين، وشرعت من ذلك الحين تبرهن، بما مَثل بين جدرانها من مآس حية، على ذلك المبدأ الذي مَثله كُتابها على المسرح، وهو أن الانتقام الإلهي يتعقب الانتصار الوقح.
وكان ألقبيادس ممن أيدوا في الجمعية القرار الماضي بإعدام الذكور من أهل ميلوس (١٧). وكان تأييده لكل اقتراح أياً كان نوعه يكفي في الغالب لإقراره، لأنه كان وقتئذ أقوى رجل في أثينة، تعجب به لفصاحة لسانه، وبهاء طلعته، وعبقريته المتعددة الكفايات، بل تعجب به أيضاً لعيوبه وجرائمه. وكان أبوه أقلينياس Cleinias الثري قد قتل في واقعة كورونيا Coronea، وكانت أمه وهي القميونية Alemaeonid تمت بالقرابة إلى بركليز، قد أقنعت ذلك السياسي أن يربي ألقبيادس في منزله. وكان الغلام مشاكساً، ولكنه ذكي شجاع، حارب وهو في سن العشرين بجانب سقراط في بوتيديا Potidaea، وحارب في السادسة والعشرين من عمره في واقعة دليوم Delium (٤٢٤) . ويبدو أن الفيلسوف كان يحس بعطف قوي على الغلام، وأنه ردّه إلى الفضيلة، كما يقول بلوتارخ، بألفاظ، "بلغ من تأثيرها في ألقبيادس أن استدرت الدمع من عينيه، وأقلقت باله، ولكنه مع ذلك كان يسلم نفسه أحياناً للمتملقين، حين كانوا يعرضون عليه ألواناً من الملاذ، فيهجر سقراط، ويأخذ الفيلسوف في مطاردته كأنه عبد آبق"(١٨).
وكانت بديهة الشاب الوقّادة ومجونه حديث الناس في أثينة وموضع دهشتهم وإعجابهم. ولما أن عاب عليه بركليز تكبره واستبداده برأيه بقوله إنه لم يفعل فعله هو مع أنه هو الآخر كان زلق اللسان في صباه، رد عليه ألقبيادس