بقوله:"أشد ما آسف له أنني لم أعرفك حين كان عقلك في عنفوانه"(١٩). وأراد مرة أن يرد على تحدي أحد رفاقه المتهورين الصخابين فصفع رجلاً من أغنى الأثينيين وأشدهم بطشاً يدعى هبونكس Hipponicus على وجهه، ثم دخل في اليوم الثاني بيت ذلك العظيم، وخلع ملابسه، ورجا هبونكس أن يضربه بالسوط عقاباً له على فعلته. وتأثر الشيخ بفعل الشاب فزوجه بابنته هبريتي ومهرها بعشر وزنات، وأقنعه ألقبيادس بأن يضاعف المهر وأنفق معظمه على نفسه، وعاش عيشة بلغت من الترف درجة لم تعرف أثينة مثلها من قبل. فقد ملأ بيته بالأثاث الثمين، واستخدم الفنانين في رسم الصور على الجدران، وجمع طائفة من جياد السباق، فاز بها مراراً في سباق المركبات في أولمبيا. وقد فازت خيله في إحدى هذه المباريات بالجوائز الأولى والثانية والرابعة فما كان منه إلا أن أولم وليمة لجميع أعضاء الجمعية (٢٠). وكان في بعض الأحيان يعد السفن ويؤدي نفقات الممثلين من ماله الخاص، وإذا ما طلبت الدولة تبرعات للحرب من أبنائها كان هو أكبر المتبرعين.
ولم يكن ألقبيادس يتقيد بواعز من ضمير أو عرف أو خوف، ولهذا كان يعبث في صباه وكهولته عبثاً بهيمياً، وكأن أثينة بقضها وقضيضها كانت تستمتع معه بسعادته. وكان يتلعثم قليلاً في نطقه تلعثماً بلغ من سحره أن أصبح التلعثم الطراز الشائع بين شباب أثينة العصريين، واحتذى مرة طرازاً جديداً من الأحذية، فلم يلبث شباب المدينة الأثرياء المتأنقون أن لبسوا أحذية ألقبيادس؛ وقد خرج على مائة قانون، وأساء إلى مائة رجل، ولكن أحداً لم يجرؤ على مقاضاته. وقد بلغ من حب السراري له أن نقش على درعه الذهبي صورة لإله الحب وإلى جانبه صاعقة كأنه يعلن بذلك انتصاراته في الحب (٢١)، وصبرت زوجته على خياناته صبر الكرام، فلما تمادي فيها عادت إلى منزل أبيها وأخذت تستعد لمقاضاته طلباً للطلاق، ولما ظهرت أمام الأركون، احتضنها ألقبيادس، وسار بها إلى منزله مخترقاً السوق