للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خير، وإن كل مدينة فيها منقسمة على نفسها، وإن من أيسر الأمور وبقليل من الشجاعة أن تضم الجزيرة كلها إلى الإمبراطورية، وإن من أوجب الواجبات أن تظل الإمبراطورية تتسع رقعتها، وإلا فلا مناص لها من أن تبدأ في الاضمحلال، وإن الشعب الذي يريد أن تكون له إمبراطورية في حاجة إلى مناوشة من آن إلى آن لتدريبه على أساليب حكم الشعوب (٢٣). وقام نيشياس في الجمعية يعارضه ويطلب إليها ألا تستمتع لرجل يغريه بذخه بالإقدام على مشروعات التوسع الخيالية، ولكن بلاغة ألقبيادس وخيال شعب تحلل الآن تحللاً خطيراً من المبادئ الأخلاقية تغلباً على حجج نيشياس، وأعلنت الجمعية الحرب على سرقوصة ووافقت على الأموال اللازمة لإعداد أسطول ضخم لغزوها، وكأنما أرادت أن تجعل هزيمة أثينة مؤكدة فوزعت القيادة بين ألقبيادس ونيشياس.

وسارت الاستعدادات على قدم وساق مدفوعة بالحماسة الشديدة التي هي من أخص خصائص الحرب؛ وأخذ الأهلون ينتظرون سفر الأسطول ليحتفلوا به احتفالاً وطنياً عظيماً. ولكن حدث قبل اليوم المحددة لسفره بأيام قلائل حادث عجيب هز مشاعر المدينة التي كانت قد فقدت كثيراً من تقواها وإن لم تفقد شيئاً من خرافاتها وأوهامها. وتفصيل ذلك أن أشخاصاً مجهولين تسللوا في جنح الظلام وحطموا أنوف تماثيل الإله هرمس، وآذانها، وأعضاء تذكيرها. وكانت هذه التماثيل قائمة أمام المباني العامة وكثير من المساكن الخاصة رمزاً للإخصاب ووقاية لها من كل سوء. وجاء باحث متحمس يفضي إلى القوم بشهادة لا سند لها منقولة عن جماعة من الغرباء والأرقاء يقولون فيها إن هذا العبث من فعل طائفة من أنصار ألقبيادس السكارى بزعامة ألقبيادس نفسه. واحتج القائد الشاب على هذا القول وحاول أن يبرئ نفسه منه، وطلب أن يقدم إلى المحاكمة على الفور، حتى يدان أو يبرأ قبل سفر الأسطول. ولكن أعداءه الذين كانوا يتوقعون صدور الحكم ببراءته، أفلحوا في تأجيل المحاكمة. وعلى هذا أبحر الأسطول