حتى أصبحت متأهبة لأن تنازع إسبارطة سيادتها الجديدة على البحار. ولما كاد انتعاش أثينة يبدو أمراً مؤكداً نظم الحزب الألجركي ثورة في البلاد، واستولى على أزمة الحكم وأنشأ مجلساً أعلى قوامه أربعمائة ألف (٤١١). ولم يكن أعضاء هذا الحزب في يوم من الأيام في جانب الحرب، بل إنهم كانوا في واقع الأمر يودون لو انتصرت إسبارطة على أثينة لتنتعش فيها الأرستقراطية. واستولى الرعب على الجمعية بعد أن اغتيل كثيرون من زعماء الديمقراطية فاقترعت على أن تكفي نفسها بنفسها. وناصر الأغنياء الثورة لأنهم رأوا فيها الوسيلة الوحيدة للقضاء على حرب الطبقات التي وحدت صفوف الطبقات المتماثلة في أثينة وإسبارطة، كما وحد كفاح الطبقات الوسطى ضد الأرستقراطية أحزاب الأحرار في إنجلترا وأمريكا إبان الثورة الأمريكية. وما كاد الألجركيون يستولون على أزمة الحكم حتى أرسلوا الرسل لعقد الصلح مع إسبارطة، وأخذوا يمهدون السبيل سراً لدخول الجيش الإسبارطي في أثينة. وفي هذا الوقت تولى ثرمنيز، وهو زعيم حزب وسط من الأرستقراط المعتدلين، ثورة مضادة للثورة السالفة الذكر، واستبدل بمجلس الأربعمائة الذي تولى الحكم نحو أربعة أشهر مجلساً آخر من خمسمائة عضو (٤١١)، واستمتعت أثينة فترة قصيرة بحكم ديمقراطي أرستقراطي مشترك كان في نظر توكيديدز وأرسطاطاليس (٢٦)(وكلاهما من الأشراف) خير ما رأته أثينة بعد عهد صولون من أنظمة الحكم وأكثرها عدلاً. ولكن الثورة الثانية نسيت، كما نسيت الثورة الأولى، أن طعام أثينة وحياتها نفسها يعتمدان على أسطولها، الذي حرمت الثورتان رجاله عدا قليلين من زعمائهم من حقوقهم السياسية. وثارت ثائرة البحّارة حين سمعوا هذا الخبر، فأعلنوا أنهم سيحاصرون أثينة إن لم تعد إليها حكومتها الديمقراطية. وانتظر الألجركيون قدوم الجيش الإسبارطي ولكن الإسبارطيين تباطئوا شأنهم في كل مرة، وولى الحكام الجدد الأدبار، وأعاد الديمقراطيون المنتصرون الدستور القديم (٤١١).