للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووجَّه الاتهام إلى سقراط أنيتوس، وملاتوس، وليقون في عام ٣٣٩ وكان نصه: "أن سقراط مذنب عام لأنه لا يعترف بالآلهة التي تعترف بها الدولة، بل يدخل فيها كائنات شيطانية" (الديمونيون السقراطية)؛ "وأنه مذنب كذلك لأنه أفسد الشباب" (١). وجرت المحاكمة أمام محكمة شعبية (ديكاستريون Dikasterion) مؤلفة من حوالي خمسمائة من المواطنين معظمهم ممن لم ينالوا قسطاً كبيراً من التعليم. وليس لدينا وسيلة نعرف بها ما في رواية أفلاطون وأكسانوفون الخاصة بدفاع سقراط عن نفسه من دقة؛ وكل ما نعرفه محققاً أن أفلاطون شهد المحاكمة بنفسه (٣٧)، وأن روايته عن اعتذار سقراط تتفق في كثير من المواضع مع رواية أكسانوفون. يقول أفلاطون إن سقراط قد أكد أنه يؤمن بألوهية الشمس والقمر نفسيهما. "تقولون أولاً إني لا أؤمن بالآلهة ثم تقولون بعدئذ إني أومن بأنصاف الآلهة … إن مثلكم في هذا كمثل من يؤكد وجود البغال ثم ينكر وجود الخيل والحمير" (٣٨) ثم أشار وهو مكتئب حزين إلى ما كان لهجاء أرسطوفان من أثر فعّال:

"لقد اتهمني كثيرون، اتهموني في الزمن القديم، وظلت تهمهم الكاذبة تطاردني كثيراً من السنين؛ وأنا أخشاهم أكثر مما أخشى أنيتوس ورفاقه … لأنهم بدءوا يتهمونني وأنتم أطفال، واستحوذوا بأكاذيبهم على عقولكم، إذ حدثوكم عن شخص يسمى سقراط، وهو رجل حكيم، يفكر في السموات العلا، ويفحص عن الأرض من تحتنا، ويجعل أسوأ الأسباب تبدو للعين كأنها أحسنها. أولئك هم المتهمون الذين أخشى بأسهم، لأنهم هم الذين ينشرون


(١) يعتقد كروازيه Croiset أن سبب الاتهام الحقيقي هو عداء زراع أتكا لكل من يثير الشك في آلهة الدولة. فقد كان من أشهر أسواق الماشية سوق تقام ليشتري منها الأتقياء الصالحون ما يقربونه للآلهة من الماشية. وكان أي نقص في العقيدة الدينية يسبب الكساد لهذه السوق، وكان أرسطوفان وهو يعلل العداء على هذا النحو إنما ينطق بلسان أولئك الزراع الذين تعرض عليهم مسرحياته إذ نجحت مراراً كثيرة.