لها تدريباً خاصاً يستغرق وقتهم كله؛ وكان لا بد من استبدال الجنود المرتزقة بالمحاربين المواطنين، وكان هذا نذيراً بأن زعامة بلاد اليونان لن تلبث أن تنتقل من رجال السياسة إلى رجال الحرب. وبينما كان أفلاطون يتحدث عن الملوك الفلاسفة، كان الملوك العسكريون ينشئون تحت سمعه وبصره. وكان مرتزقة اليونان يبيعون أنفسهم إلى القواد سواء كانوا من اليونان أو "البرابرة" بلا تفريق بين هؤلاء وأولئك؛ ولقد حاربوا في الجيوش التي غزت بلاد اليونان بقدر ما حاربوا دفاعاً عنها، وشاهد ذلك أن الجيوش الفارسية التي واجهها الإسكندر كانت ملأى باليونان؛ فلم يكن الجنود وقتئذ يسفكون دماءهم دفاعاً عن بلادهم، بل كانوا يسفكونها في سبيل من يؤدي لهم أكبر الأجور.
وظل الفساد السياسي والاضطراب اللذان أعقبا موت بركليز سائرين في طريقهما خلال القرن الرابع، إذا استثنينا من ذلك حكم يكلديز الطاهر النزيه (٤٠٣)، وإدارة ليقورغ المالية (٣٣٨ - ٣٢٦). فالرشوة مثلاً كان يعاقب عليها، حسب نص القانون، بالإعدام؛ لكن إسقراط يقول إن المرتشي كان يجزى على ارتشائه بالترقي في المناصب العسكرية والسياسية. ولم يجد الفرس أية صعوبة في إرشاء ساسة اليونان وحملهم على أن يشنوا الحرب على الدول اليونانية أو على مقدونية؛ وحتى دمستين نفسه أصبح في آخر الأمر مرآة تنعكس عليها أخلاق أهل زمانه. لقد كان من أنبل الأفراد في جماعة من أحط الجماعات في أثينة - أعني جماعة الخطباء المأجورين الذين صاروا في ذلك القرن محامين وساسة محترفين. ومن هؤلاء الناس من كانوا مثل ليقورغ شرفاء معقولين، ومنهم من كانوا مثل هيبريديز ذوي شهامة ومروءة، ومنهم من لم يكونوا خيراً مما وجب عليهم أن يكونوه؛ وإذا جاز لنا أن نصدق ما يقوله عنهم أرسطاطاليس فقد كان منهم من تخصص في إبطال نصوص الوصايا (٣٦). وجمع الكثيرون منهم ثروات طائلة بانتهاز الفرص السياسية وبالتهريج والخطابة في الجماهير.