وانقسم الخطباء المأجورون أحزاباً، ومزقوا الهواء بحملاتهم. ونظم كل حزب لنفسه لجاناً، ووضع له كلمات سر، وعين له وكلاء، وجمع له مالاً. وكان الذين يؤدون نفقات هذه الأعمال كلها يعترفون صراحة بأنهم "سيستردونها ضعفين"(٣٧).
وكانت الروح الوطنية تضعف كلما زادت السياسة قوة، واستنفذت مرارة الانقسام كل الجهود العامة والوفاء للوطن، فلم تترك للمدينة من هذه الجهود وذلك الإخلاص إلا القليل الذي لا يغني، وكان دستور كليستنيز، والنزعة الفردية التي أثارتها التجارة والفلسفة، قد زعزعا كيان الأسرة، وحررا الفرد؛ وكأنما أراد الفرد الحر وقتئذ أن يثأر للأسرة مما أصابها من انحلال فهوى بمعوله على الدولة يقوض أركانها.
وأراد الدمقراطيون المنتصرون في عام ٤٠٠ ق. م أو حواليه أن يضمنوا حضور المواطنين الفقراء في الإكليزيا، وأن يمنعوا بذلك ذوي الأملاك أن تكون لهم السيطرة عليها، فجعلوا حضور الجمعية هو الآخر عملاً من الأعمال التي يؤجر الناس عليها. وكان كل مواطن في بادئ الأمر يؤجر على حضور الجلسة أبلة (١٧ slash ١٠٠ من الريال الأمريكي)، ولما زادت نفقات المعيشة زيد هذا الأجر إلى أبلتين، ثم إلى ثلاث أبلات، وظل يزداد حتى كان في زمن أرسطاطاليس درخمة (أي ريالاً أمريكياً) عن اليوم الواحد (٣٨). ولقد كان هذا في حد ذاته تدبيراً معقولاً لا غبار عليه، لأن المواطن العادي كان يكسب في أواخر القرن الرابع درخمة في كل يوم؛ ولم يكن ينتظر منه أن يترك عمله دون أن يعوض عن تركه. وما لبثت هذه الخطة أن جعلت للفقراء الأغلبية في الجمعية، ويئس الأغنياء من الانتصار فيها، فزاد إعراضهم عنها تدريجاً، وامتنعوا عن حضور جلساتها. وعدل الدستور في عام ٤٠٣ وقصر حق التشريع على هيئة مكونة من خمسة مشترعين Nomothetai يُختارون من بين المواطنين الذين انتخبوا بالقرعة ليكونوا