أيديها منهم بعد أن أذاقتهم من ألوان العذاب ما لم يعذبه اليونان أحداً غيرهم من قبل، ولم يدخر ديونيشيوس جهداً في الحيلولة بينهم وبين هذا التعذيب لأنه كان يريد أن يبيع أسرى القرطاجيين في أسواق الرقيق. ونقلت قرطاجة جيشاً كبيراً بقيادة هملكون Himilcon بطريق البحر، ودارت الحرب بين الأمتين في فترات متقطعة خلال أعوام ٣٩٧، ٣٩٢، ٣٨٣، ٣٦٨. وانتهت هذه الحرب بأن استردت قرطاجة كل ما استولى عليه ديونيشيوس من أملاكها، وعادت الأمور بعد الدم المهراق كله إلى ما كانت عليه من قبل.
وكان ديونيشيوس في هذه الأثناء قد وجه قوته الحربية لإخضاع المدن اليونانية في الجزيرة، وربما كان مدفوعاً إلى هذا بحب السلطان أو بما كان يحس به من أنه لا سبيل من القضاء على سلطان قرطاجة في صقلية إلا إذا اتحدت كلها تحت حكومة واحدة. فلما تم له إخضاعها، عبر الجزيرة إلى إيطاليا، وأخضع رجيوم Rheginm وفرض سلطانه على جميع إيطاليا الجنوبية. ثم هاجم إتروريا واستولى على ألف وزنة من هيكلها القائم في أجلا Agylla، ووضع الخطط لنهب ضريح أبلو في دلفي، ولكن الأيام وقفت في سبيله فلم تمكنه من تنفيذ خططه. فقد وأدت بلاد اليونان في نفس ذلك العام (٣٨٧) حريتها في الغرب، ثم باعتها "بصلح الملك" إلى الفرس في الشرق. وكان برنس Brennus والغليون قد وقفوا ظافرين أمام أبواب رومة يدقونها دقاً، وكان البرابرة المحيطون بالعالم اليوناني يزدادون قوة في كل مكان، وكان ما حل بإيطاليا الجنوبية من التدمير على يد ديونيشيوس قد مهد السبيل للأهلين القاطنين حول المستعمرات أولاً ثم للرومان أنصاف البرابرة بعدئذ لغزو هذه المستعمرات والاستيلاء عليها. وقام الخطيب ليسياس في الدورة التالية من دورات الألعاب الأولمبية يدعو بلاد اليونان إلى الخروج على الطاغية الجديد، فهاجم الجماهير الثائرة خيام رسل ديونيشيوس وأصمت آذانها عن الاستماع إلى أشعاره.