وهذا الطاغية الذي عرض على أهل رجيوم بعد أن تم له الاستيلاء عليها حريتهم إذا آتوه بكل ما يدخرونه من مال فدية لهم، فلما جاءوه به باعهم بيع الرقيق، هذا الطاغية نفسه كان رجلاً واسع الثقافة من أرباب السيف والقلم ولم يكُ فخره بقلمه أقل من فخره بسيفه. ولما أن طلب إلى الشاعر فلكينس رأيه في شعره وأجاب بأنه غث لا قيمة له حكم علية بالأشغال الشاقة في المحاجر (٤٤). على أن ديونيشيوس، كان يناصر الآداب والفنون على الرغم من هذه الأعمال المثبطة، وقد استضاف أفلاطون أثناء أسفاره في صقلية وسره أن يستمتع لحظة بهذا الفيلسوف (٣٨٧). وهناك قصة ذائعة نقلها ديوجانس ليرتيوس تقول إن الفيلسوف أخذ يطعن في حكم الطغاة فرد عليه ديونيشيوس بقوله:"إن أقوالكَ أقوال عجوز محترف"، فأجابه أفلاطون قائلاً:"إن هذه اللغة هي لغة الطغاة". ويقال إن ديونيشيوس باع أفلاطون في سوق الرقيق ولكن أنسريز القيروني لم يلبث أن افتداه (٤٥).
ولم يقضِ على حياة الفيلسوف واحد من القتلة السفاحين الذين كان يخشى بأسهم بل قضى عليه شعره نفسه. وتفصيل ذلك أن مأساته افتداء هكنز نالت الجائزة الأولى في عيد لينيا الأثيني عام ٣٦٧. وسُر ديونيشيوس من هذا الفوز سروراً جعله يحتفل بأصدقائه ويُفرط في الشراب، فيصاب بالحمى ويموت.
وقبلت المدينة المغتاظة التي كانت قد ارتضته بديلاً من الخضوع لقرطاجة قبلت أن يخلفه ابنه على العرش راجية الخير على يديه. وكان ديونيشيوس الثاني وقتئذ شاباً في الخامسة والعشرين من عمره، ضعيف الجسم والعقل، فظن السراقوصيون الماكرون أنه لهذا السبب سيحكمهم حكماً رحيماً يترك لهم فيه الحبل على الغارب. وكان له من عمه ديون Dion والمؤرخ فلستيوس مستشاران قديران. فأما ديون فكان رجلاً واسع الثراء ولكنه جمع إلى ثرائه حبه للآداب والفلسفة، وكان من أوفى تلاميذ أفلاطون وألصقهم به. وأصبح عضواً