في المجمع العلمي وعاش في داخل بيته وخارجه عيشة البساطة الفلسفية. وخطر بباله أن الطاغية الجديد الشاب اللدن العود سوف يتيح له الفرصة لأن يقيم على الأقل حكماً دستورياً يُستطاع به توحيد صقلية بأجمعها وتمكينها بسبب هذه الوحدة من القضاء على سلطان القرطاجيين فيها، هذا إذا لم يتمكن من أن يجعل منها "المدينة الفاضلة" التي وصفها له أفلاطون.
ودعا ديونيشيوس الثاني بناءً على اقتراح ديون، أفلاطون إلى بلاطه، فلما قبل أفلاطون الدعوة تتلمذ عليه ديونيشيوس وصار من أتباعه. ومما لاشك فيه أن الشاب الطاغية أراد أن يظهر للفيلسوف خير طباعه، فأخفى عليه إدمانه الخمر والعهر (٤٧)، الذي جعل أباه يتنبأ أن الأسرة ستنقرض بموت ولده. وانخدع أفلاطون برغبة الشاب الظاهرة في الفلسفة فقاده إليها من أصعب السبل - من سبيل العلوم الرياضية والفضيلة. وعلَّم الحاكم، كما علَّم كنفوشيوس دوق لو، أن المبدأ الأول من مبادئ الحكم هو القدوة الصالحة، وأنه إذا أراد أن يُصلح شعبه، فعليه أن يجعل نفسه أنموذجاً لهم في الذكاء والنية الحسنة، وشرعت الحاشية كلها تدرس الهندسة، وتقف مذهولة سياسياً أمام خطوط مرسومة في الرمل. ورأى فلستيوس أن مقام أفلاطون أصبح أعلى من مقامه، فهمس في أذن الطاغية أن ذلك كله لم يكن إلا مؤامرة أراد بها الأثينيون، الذين عجزوا عن فتح سراقوصة بقوة الجيش والأسطول، أن يستولوا عليها بعمل رجل واحد، وأن أفلاطون بعد أن استولى على القلعة المنيعة بالرسوم والحوار، سَيُنزل ديونيشيوس عن عرشه، ويجلس ديون مكانه. ووجد ديونيشيوس في هذا الهمس فرصة قيمة للنجاة من متاعب الهندسة، فنفى ديون، وصادر أملاكه، ووهب زوجته لرجل من رجال البلاط كانت ترهبه. وغادر أفلاطون سراقوصة، رغم تأكيد الطاغية له بأنه يحبه أشد الحب، وانظم إلى ديون في أثينة. وبعد ست سنين من ذلك الوقت عاد إلى سراقوصة استجابة لطلب الملك نفسه، وألح عليه في أن يستدعي ديون، ولما