الإسكندر) أشجع الشجعان بلا منازع، وخلّف جزءاً من نفسه في كل ميدان من ميادين القتال. وقد أعجب به دمستين وقال فيه:"يا له من رجل! لقد خسر في سبيل القوة والسلطان عيناً فقئت، وكتفاً كسرت، وذراعاً وساقاً أصيبتا بالشلل"(٥٢). وكان ذا قريحة وقّادة قادراً على أن ينتظر فرصته متربصاً، وعلى أن يسير بعزم ثابت إلى هدفه مجتازاً في سبيله كل ما يعترضه من صعاب. وكان في سياسته لطيفاً غداراً؛ لا يبالي بأن يحنث في وعده، ويجدد هذا الوعد لساعته؛ لا يعترف في الحكم بالمبادئ الأخلاقية، ويرى أن الكذب والرشوة بديلين رحيمين من القتل وسفك الدماء. ولكنه كان رحيماً في انتصاره وكان من عادته أن يعرض على اليونان المنهزمين شروطاً أحسن مما يعرضها بعضهم على بعض. وقد أحبه كل من التقى به، عدا دمستين العنيد، ووصفوه بأنه أقوى رجال زمانه وأكثرهم طرافة.
وكانت حكومته ملكية أرستقراطية يدوم سلطان الملك فيها ما دام متفوقاً في قواه الجسمية أو العقلية، وما دام أشراف البلاد راغبين في معونته. وكان ثمانمائة من أمراء الإقطاع يكونون "صحابة الملك". وكان هؤلاء الصحابة من كبار الملاك الذين يحتقرون حياة الحواضر والزحام والكتب، فإذا ما أعلن الملك الحرب برضاهم خرجوا من ضياعهم وهم أقوياء الأجسام صناديد ليوث غاب. وكانوا في الجيش يؤلفون فرقة الفرسان ويمتطون صهوة الجياد المقدونية والتراقية القوية الشكيمة، وقد دربهم فليب على أن يحاربوا جماعات متراصة يستطيعون إذا صدر إليهم أمر قائدهم أن يبدلوا حركاتهم العسكرية من فورهم كأنهم رجل واحد. وكان إلى جانب هؤلاء الفرسان مشاة من الصيادين والفلاحين الشعث ينظموا في "فيالق"، يصوب ستة عشر صفاً منهم رماحهم فوق رؤوس الصفوف التي أمامهم - ويضعونها فوق أكتافهم - وبذلك يكون كل فيلق أشبه بجدار من الحديد. وكان طول الرمح إحدى وعشرين قدماً،