وكان متزناً من مؤخرته فإذا شرعه صاحبه برز إلى الأمام خمسة عشر قدماً. ولما كان كل صف من الجند يتقدم ثلاث أقدام عن الذي يليه فإن رماح الخمسة صفوف الأولى كانت تبرز أمام الفيلق كله، وكانت رماح الثلاثة صفوف الأولى تبرز أمام الفيلق أطول من حراب أقرب المشاة اليونان التي لا تزيد على ستة أقدام. وكان الجندي المقدوني بعد أن يقذف عدوه برمحه يحارب بسيف قصير ويقي رأسه ببيضة من نحاس، وجسمه بدرع، وساقيه بجرموقتين، وصدره بترس خفيف. ويأتي من وراء هذا الفيلق فرقة من الرماة على الطراز القديم يصوبون سهامهم فوق رؤوس حملة الرماح، ومن وراء هؤلاء فرق الحصار بمناجيقها وكباشها المدمرة. ودرب فليب في صبر وعزيمة هذا الجيش المكون من عشرة آلاف جندي حتى جعله أعظم قوة محاربة شهدتها أوربا حتى ذلك الوقت، وأعده للإسكندر كما أعد فردرك وليم جيشه لابنه فردرك الأكبر.
واعتزم أن يستخدم هذه القوة لتوحيد بلاد اليونان وإخضاعها لحكمه، حتى إذا تم له ذلك استعان ببلاد هلاس جميعها وعبر الهلسبنت وطرد الفرس من آسية اليونانية. ولكنه كان في كل خطرة يخطوها نحو هذه الغاية يجد نفسه يعمل ضد حب اليونان للحرية، وكان وهو يحاول أن يتغلب على هذه النزعة ينسى الغاية التي يعمل لها بهذه الوسيلة. ووقف في حركته الأولى وجهاً لوجه أمام أثينة لأنه أراد أن يستولي على المدن التي ضمتها إلى أملاكها على ساحلي مقدونية وتراقية. ولم تكن هذه المدن تسد طريقه إلى آسية وحسب، بل كانت فوق هذا تحتوي مناجم غنية من الذهب، وكانت ذات تجارة رائجة في مقدوره أن يفرض عليها الضرائب. وبينما كانت أثينة منهمكة في "الحرب الاجتماعية" التي انتهت بها إمبراطوريتها الثانية، استولى فليب على أمفبوليس (٣٥٧)، وبدنا، وبوتيديا (٣٥٦)؛ ولما احتجت أثينة على هذا العمل العدواني أجابها بالثناء على آدابها وفنونها. وفي عام ٣٥٥ استولى على ميتوني، وفقد عينه في