كاملاً يفكر فيه لتربكه امرأة واحدة في ليلة واحدة" (٥٤). وأصبح الرجل بعد جهود مضنية دامت عدة سنين أغنى المحامين في أثينة، يعرف دقائق هذا الفن ويقنع المستمعين إلى خطبه، ولا يتقيد كثيراً بقواعد الأخلاق. وشاهد ذلك أنه دافع عن المصرفي فورميو طالباً تبرئته من تهم وجهها هو بعينها إلى الأوصياء عليه، وكان يتناول أجوراً عالية من الأفراد نظير تقديم بعض القوانين للجمعية والدفاع عنها، ولم يدفع عن نفسه التهمة التي وجهها إليه زميله هيبريديز وهي أنه كان يتلقى المال من ملك الفرس ليشعل نار الحرب على فليب (٥٥). وبلغت ثروته في ذروة مجده عشرة أضعاف ما خلفه له أبوه.
لكنه رغم هذا بلغ من النزاهة درجة رضي معها بالتعذيب والموت في سبيل الآراء التي استؤجر للدفاع عنها. ذلك أنه أخذ يندد باعتماد أثينة على الجنود المرتزقة، وأصر على أن المواطنين الذين يتقاضون أجوراً من "الرصيد" المخصص لإعانة من يحضرون ألعاب الحفلات الدينية ويشاهدون المسرحيات، يجب أن يكسبوها بالخدمة في الجيش؛ وبلغ من شجاعته أن طالب بألا يؤدى هذا المال أجوراً لهؤلاء المواطنين، بل يجب أن ينفق في إعداد قوة حربية للدفاع عن الدولة أحسن من القوة التي لديها (١). وقال للأثينيين إنهم قوم كسالى منحلون فقدوا ما كان يتصف به آباؤهم من فضائل حربية، وأبى أن يصدق أن دولة المدينة قد وهنت قواها بالانقسامات الحزبية والحروب، وأن الوقت قد آن لتوحيد بلاد اليونان. وأنذر الأثينيين بأن هذه الوحدة ليست إلا أقوالاً تخفي ورائها خضوع
(١) لقد توسعت الدولة في رصيد "المناظر" هذا (Dheoric Fund) حتى صار يستخدم في كثير من الاحتفالات بدرجة كاد معها أن يجعل جزءاً كبيراً من المواطنين في عداد مَن يتلقون إعانات من الدولة. وفي ذلك يقول جلوتز Glotz: " إن الجمهورية الأثينية قد أصبحت جمعية تعاونية خيرية تأخذ المال من إحدى الطبقات لتُنفقه على طبقة أخرى" (٥٦). وكانت الجمعية قد جعلت الإعدام جزاء كل مَن يقترح تحويل هذا المال لأغراض غير الغرض الذي رصد له.