بلاد اليونان جميعها لرجل واحد. ولقد تبين أطماع فليب من أعراضها الأولى وتوسل إلى الأثينيين أن يحاربوا للاحتفاظ بأحلافهم ومستعمراتهم في الشمال.
وكان، إسكنيز وفوشيون وحزب السلم يعارضون دمستين وهيبريديز وحزب الحرب. وليس ببعيد أن كلتا الطائفتين كانت مرتشية الثانية من قبل الفرس والأولى من قبل فليب (٥٧)، وأن الاثنتين كانتا تعملان بإخلاص للوصول إلى أغراضها تدفعهما الحماسة التي أثارتها كلتاهما في قلوب أتباعها. وقد أجمع أهل ذلك العصر على أن فوشيون كان أشرف رجال السياسة في أيامه - كان رواقياً قبل أن يؤسس زينون الرواقية، وفيلسوفاً من خريجي مجمع أفلاطون العلمي، وخطيباً يحتقر الجمعية احتقاراً يستطيع القارئ أن يتبينه إذا ذكرنا له أنها حين صفقت له التفت إلى أحد أصدقائه وسأله:"ألم أرتكب خطأ في قولي من حيث لا أدري؟ "(٥٨) وقد اختير قائداً (Strategos) خمساً وأربعين مرة ففاق في هذا بركليز نفسه؛ وتولى مراراً كثيرة قيادة الجيش وأظهر في كل مرة كفاية عظيمة، ولكنه قضى معظم حياته يدعو إلى السلم. ولم يكن رفيقه إسكنيز رواقياً في معيشته، بل كان رجلاً ارتقى من الفقر المدقع إلى الثراء الواسع، اشتغل في صباه بالتدريس والتمثيل فأعانه ذلك على أن يكون خطيباً مصقعاً، وأول خطيب يوناني - على ما يقول المؤرخون - يرتجل الخطب ارتجالاً وينجح في ذلك أعظم نجاح (٥٩)، بينما كان منافسوه يعدون خطبهم ويكتبونها قبل إلقائها. واشترك مع فوشيون في عدة وقائع حربية، فأخذ عنه سياسة التراضي مع فليب بدل الاشتراك معه في الحرب؛ ولما أن كافأه فليب على جهوده استحال تحمسه للسلم ولاءً لها وإخلاصاً.
واتهم دمستين إسكنيز مرتين بأنه يرتشي بالذهب من مقدونية، ولكنه في كلتا المرتين عجز عن إثبات التهمة. على أن فصاحة دمستين الحربية وتقدم فليب نحو الجنوب أقنعا الأثينيين آخر الأمر أن يمتنعوا وقتاً ما عن توزيع رصيد المناظر وأن يستخدموه في الاستعداد للحرب. ففي عام ٣٣٨ نظموا على عجل