للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت تتطلب شيئاً من التقى والإيمان عند المستمعين، ومن أجل هذا كان لا بد أن يضمحل شأنها حين أوشكت شمس الآلهة على الأفول.

وازدهرت المسلاة في الوقت الذي اضمحلت فيه المأساة، وانتقل إليها بعض ما كان يتصف به مسرح يوربديز من براعة، وظرف، ومادة طيبة؛ وفقدت هذه المسلاة الوسطى (٤٠٠ - ٣٢٣) حبها للهجاء السياسي وتشجيعها له، وقت أن كانت السياسة تتطلب "الصديق الصريح"؛ وليس ببعيد أن يكون هذا الهجاء قد حُرِّم أو أن النظارة قد سئموا السياسة بعد أن أصبح حكام أثينة رجالاً من الطراز الثاني. وكان اعتزال الرجل اليوناني بوجه عام الحياة العامة إلى الحياة الخاصة في القرن الرابع سبباً في توجيه اهتمامه إلى شئون منزله وقلبه وإغفاله شئون الدولة. وظهرت في ذلك الوقت المسلاة الأخلاقية، وأخذ الحب يسيطر على مناظرها؛ ولم يكن يسيطر عليها دائماً عن طريق الفضيلة، بل كانت العاهرات يظهرن على خشبة المسرح مع بائعات السمك، والطهاة والفلاسفة الحيارى. وإن كان زواج الممثل والكاتب ينقذ شرفهما في آخر التمثيل. خلت هذه المسرحيات من فحش أرسطوفان ومجونه اللذين كانا سبباً في خشونة المسرحيات وخلوها من الصقل الجميل، ولكنها خلت أيضاً من حيويته وخصب خياله. ولدينا أسماء تسعة وثلاثين شاعراً من كُتاب المسلاة الوسطى، وإن لم يكن لدينا شيء من مسرحياتهم، ولكنا نستطيع أن نحكم من القطع الباقية لدينا أنهم لم يكتبوا شيئاً جديراً بالخلود. وقد كتب ألكسيس الثوريائي (of Thurii) ٢٤٥ مسرحية، وكتب أنتفانيز Antiphanes ٢٦٠. لقد ذاع صيتهم في زمانهم فلما انقضى ذلك العهد أفل نجمهم.

أما الخطباء فكان هذا زمانهم. ذلك أن نهضة الصناعة والتجارة قد حولت عقول الناس إلى الحياة الواقعية والعملية؛ وأخذت المدارس التي كانت قبل تعلم أشعار هومر تدرب تلاميذها الآن على أساليب البلاغة. ولقد كان