إسيوس Isaeus، وليقورغ، وهيبريديز، ودمديز Demades، وديناركس Deinarchus، وإسكنيز، ودمستين كلهم خطباء سياسيين، يتزعمون أحزاباً سياسية، ويسيطرون ببلاغتهم على عقول الجماهير، وظهر رجال في سراقوصة في الفترات التي ساد فيها الحكم الدمقراطي، أم الدول الدمقراطية فلم تكن تطيقهم؛ وكانت لغة الخطباء الأثينيين تمتاز بالوضوح والقوة، والبعد عن المحسنات اللفظية وكانت تسمو بين الفينة والفينة إلى مراقي الوطنية النبيلة، وتسف إلى المهاترات المنحطة والشتائم القذرة التي لا يُسمح بها حتى في المنازعات الحديثة. وكان ما تتصف به الجمعية الأثينية والمحاكم الشعبية من عدم التجانس في أعضائها سبباً في انحطاط فن الخطابة اليونانية، وحافزاً لها في الوقت عينه. وانتقل هذا الأثر بنوعيه عن طريق الخطابة إلى الأدب اليوناني بوجه عام، فقد كان سرور المواطن الأثيني من سماع الشتائم في خطب الخطباء لا يكاد يقل عن سروره من مشاهدة مباراة لنيل جائزة، وإذا عُرف أن مبارزة لفظية ستقوم بين محاربين بالألفاظ مثل إسكنيز، ودمستين أقبل الناس لسماعهما من القرى النائية والدول الأجنبية؛ وكان أكثر ما يستثيره الخطباء هو غريزة الكبرياء والهوى. وقد عَرَّفَ أفلاطون البلاغة، وكان يكره الخطابة ويصفها بأنها السم القاتل للدمقراطية، عرفها بأنها فن حكم الناس باستثارة مشاعرهم وعواطفهم.
وحتى دمستين نفسه، رغم حيويته وقوة أعصابه، وسموه في كثير من الأحيان إلى فقرات تفيض بالحماسة الوطنية، ورغم هجومه الشديد على الأشخاص هجوماً أخذ يضعف على مر الزمان، ومهارته في تعاقب القصص والجدل في خطبه تعاقباً يريح الأذن ويطرد السآمة، وما في لغته من انسجام وتوازن كان يُعنى بهما كل العناية، ورغم تدفقه في خطبه كالسيل الجارف، نقول إن دمستين نفسه رغم هذا كله يبدو لنا أقل قليلاً من الخطيب العظيم. وكان يرى أن التمثيل هو سر العظمة الخطابية، وبلغ من إيمانه بهذا المبدأ أن كان يعيد خطبه مراراً في كثير من الأناة،