ويتلوها على نفسه أمام مرآة. واحتفر لنفسه كهفاً كان يعيش فيه عدة أشهر، لا يكاد يعلم به أحد وكان في هذه الفترات يحلق نصف وجهه ويبقي على النصف الأخر حتى لا تحدثه نفسه بالخروج من مأواه (١). وكان إذا وقف على منصة الخطابة اتجه بوجهه نحو تمثاله، ودار يمنة ويسرة، ووضع يده على جبهته كأنه يفكر، ورفع صوته في أغلب الأحيان إلى حد الصراخ (٢). ويقول بلوتارخ إن هذا كله "كان يسر العامة كل السرور، أما المتعلمون أمثال دمتريوس الفاليري (Demetrius of Phalerum) فكانوا يظنون هذا عملاً حقيراً، مهيناً، لا يتفق مع الرجولة الحقة". وإنا لَنُسَرّ من حركات دمستين المسرحية، ونعجب بتقديره لنفسه واعتزازه بها، وتحيرنا استطراداته وتُرَوّعنا بذائته. وليس في خطبه إلا القليل من الفكاهة والقليل من الفلسفة. ولولا حماسته الوطنية، وما يبدو من إخلاص في دعوته الحارة اليائسة إلى الحرية، لما كان له شأن كبير.
وبلغت الخطابة اليونانية أرقى درجاتها في عام ٣٣٠. وكان تسفون Ctesiphon قبل ذلك العام بست سنين قد اقترح على المجلس مبدئياً أن يهدي دمستين تاجاً أو إكليلاً من الزهر اعترافاً منه بحسن سياسته، وبما قدمه للدولة من منح مالية كثيرة. ووافق المجلس على هذا الاقتراح وأراد إسكنيز أن يحول بين منافسه وبين هذا الشرف العظيم فاتهم تسفون بأنه عرض على المجلس اقتراحاً غير دستوري (وهو اتهام صحيح من الناحية الشكلية) وأجلت القضية المرة بعد المرة، ثم عُرضت أخيراً على هيئة القضاء المؤلفة من خمسمائة من المواطنين. وكانت هذه بطبيعة الحال قضية من أشهر القضايا شهدها كل من استطاع الحضور إلى أثينة مهما بعد موطنه؛ ذلك بأن أعظم خطباء أثينة في ذلك الوقت كان في واقع الأمر يدافع فيها عن سمعته وعن حياته السياسية. ولم يُضِع إسكنيز في مهاجمة تسفوت إلا قليلاً من الوقت ولكنه وجه هجومه إلى أخلاق دمستين