الارتقاء إلى مراتب الزعامة؛ ولأن القادرين من الناس يرقون رقياً طبيعياً إلى أعلى المناصب، فإذا تلقفهم الأريوبجس بعد فترة توليهم مناصبهم، أصبحوا من تلقاء أنفسهم عقل الدولة الناضج.
ولما عقدت أثينة الصلح مع فليب في عام ٣٤٦، وكان إسقراط وقتئذ في سن التسعين، وجه إلى الملك المقدوني خطاباً مفتوحاً. وقد هداه تفكيره إلى أن فليب سيفرض سيادته على بلاد اليونان فتوسل إليه ألا يستخدم سلطانه كما يستخدم المستبدون سلطانهم، بل يستعين به على جمع شمل اليونان المستقلين وتوجيههم إلى حرب يحررون بها بلادهم من "صلح الملك"، وتحرير أيونيا من حكم الفرس، وأخذ حزب الحرب يطعن في هذا الخطاب ويصفه بأنه استسلام للطغيان، وظل إسقراط سبع سنين ممسكاً بقلمه يرد به على هذه التهمة. ثم كتب خطبة أخرى في عام ٣٣٩ موجهاً الخطاب إلى اليونان الذين اجتمعوا لمشاهدة الألعاب الأثينية الجامعة. وكانت "الخطبة الأثينية الجامعة (البان أثنيكس Panathenaicus) " تكراراً ضعيفاً مسهباً لخطبة الجمعية العامة. فنحن نحس أسلوبها يرتجف في يد الشيخ الطاعن في السن، ولكنها مع ذلك عمل عجيب من رجل لا تنقص سنه عن قرن كامل إلا ثلاث سنين. وفي عام ٣٣٨ دارت معركة قيرونية وهزمت فيها أثينة، ولكن ما كان يحلم به إسقراط من وحدة بلاد اليونان أوشك أن يتحقق. وتقول إحدى الروايات اليونانية التي ذاعت بعدئذ إنه لما بلغه الخبر لم يفكر في فليب أو في الوحدة، بل كان تفكيره كله في مدينته التي ذُلت، وفي أيام مجدها التي ولت؛ وإنه بعد أن بلغ ثمانية وتسعين عاماً وبلغ من العمر كفايته أمات نفسه جوعاً (١٥). ولسنا نعرف هل هذه القصة صادقة أو كاذبة، ولكن أرسطاطاليس يحدثنا بأن إسقراط مات قبل أن تمضي على قيرونية خمسة أيام.