وملاك القول أن هذه الأعمال، إذا جاز لنا أن نصدر حكماً على صاحبها يستند إلى بقايا قليلة ظنية، توحي بأن لاسكوباس منزلة تقرب جداً من منزلة بركستليز. فهو يمتاز بالابتكار في غير إسراف، والقوة في غير غلظة، وبالتمثيل المسرحي للنوازع والعواطف والمزاج، دون أن تشوه هذه كلها شدةٌ متكلفة. لقد كان بركستليز يعشق الجمال، أما اسكوباس فكان ينجذب نحو الخلق، وكان بركستليز يرغب في الكشف عن الرشاقة والحنان في النساء، وعن الصحة المبهجة والمرح في الشباب؛ أما اسكوباس فقد اختار أن يمثل آلام الحياة ومآسيها، ورفع من شأنها بهذا التمثيل الغني البديع. ولو أننا كان لدينا من أعماله أكثر مما عثرنا عليه منها لما فضلنا عليه أحداً غير فدياس.
حسبنا هذا عن اسكوباس، أما ليسبوس السيكوني فقد بدأ حياته صانعاً وضيعاً في النحاس؛ وكان يتوق إلى أن يكون فناناً، ولكنه لم يكن لديه من المال ما يمكنه من أن يتتلمذ على معلم. غير أنه تشجع حين سمع يوبومس المصور يعلن أنه يفضل محاكاة الطبيعة نفسها عن محاكاة أي فنان مهما يكن قدره (٤٢). فلما سمع ليسبوس هذا القول اتجه من فوره إلى دراسة الكائنات الحية، ووضع قانوناً جديداً للنسب في فن النحت ليستعيض به عن قاعدة بلكليتس الصارمة؛ فأطال الساقين وقصر الرأس، وزاد من ثخانة الأطراف، وخلع على الصورة كلها كثيراً من الحيوية والراحة. ومن أعماله تمثال أبكسيومنوس Apxyomenos وهو صورة لتمثال ديامنوس، تختلف عنها من بعض الوجوه. فرجل بلكليتس الرياضي يربط عصابة فوق جبينه، أما ليسبوس فيزيل الزيت والغبار عن ذراعه بمكشط، ويبدو فيها أكثر نحافة ورشاقة. وأكثر من هذا التمثال جاذبية وحيوية، إذا جاز لنا أن نستند في حكمنا إلى الصورة الرخامية المحفوظة في متحف دلفي، تمثال أجياس Agias الشاب التسالي النبيل. ذلك أن ليسبوس لم يكد يتحرر من القيود حتى أخذ يشق طريقه في ميادين فنية جديدة، فاستبدل تصوير الفرد بتصوير