للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيختار لنفسه مكان موته وزمانه؛ وعندهم أن الانتحار عمل مشروع، ويقول بعضهم إن ديجين قتل نفسه بأن أمسك عن التنفس (٥٥).

وكانت الفلسفة الكلبية جزءاً من الحركة التي تهدف إلى "الرجوع إلى الطبيعة"، وهي الحركة التي قامت في أثينة في القرن الخامس رداً على ما أحدثته الحضارة المعقدة من ملل في النفوس وعدم توازن في شئون الحياة. ذلك أن الناس ليسوا متحضرين بالفطرة، وهم لا يتحملون قيود الحياة المنظمة، إلا لأنهم يخشون مغبة العقاب والوحدة. وكانت الصلة بين ديجين وسقراط شبيهة بعض الشبه بالصلة التي بين روسو وفلتير: فقد كان يرى أن الحضارة لا خير فيها، وأن بوميثيوس قد استحق أن يصلب لأنه جاء بها إلى بني الإنسان (٥٦). وكان الكلبيون، كما كان الرواقيون، وكما كان روسو في العصر الحديث، يجعلون مثلهم الأعلى هو "الشعوب الطبيعية" (٥٧)؛ وقد حاول ديجين أن يأكل اللحم النيئ لأن طهو الطعام عمل غير طبيعي (٥٨)، ويظن أن أحسن المجتمعات هو المجتمع الخالي من أسباب الخداع ومن القوانين.

وكان اليونان يسخرون من الكلبيين، ويصبرون عليهم صبر المجتمع في العصور الوسطى على القديسين. وقد أصبحوا بعد ديجين هيئة دينية من غير دين، اتخذوا الفقر قاعدة وأساساً لعقيدتهم، وكانوا يعيشون من الصدقات، وينفسون عن عزوبتهم بالشيوعية الجنسية، وافتتحوا مدارس لتعليم الفلسفة. ولم تكن لهم بيوت، بل كانوا يعملون وينامون في الطرقات أو مداخل المعابد. وانتقلت العقائد الكلبية على أيدي استلبو Stllpo وأقراطيس Crates تلميذي ديجين إلى العصر الهلنستي، وكانت فيه أساس الرواقية، واختفت المدرسة بوصفها ذات كيان مستقل حوالي القرن الثالث، ولكنها ظلت ذات أثر قوي في التقاليد اليونانية، ولعلها عادت