للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جميع الموجودات الحسية المقابلة لها. فالرجال يولدون ويموتون، ولكن "الرجل" يبقى. وليس كل مثلث بمفرده إلا مثلثاً ناقصاً، يفنى عاجلاً أو آجلاً، ومن أجل هذا فهو غير حقيقي نسبياً، ولكن "مثلث"- أي الشكل والقانون اللذين ينطبقان على جميع المثلثات- كامل سرمدي (٨٥). وكل الأشكال الرياضية أفكار سرمدية وكاملة (١)، وكل ما تقوله الهندسة عن المثلثات، والدوائر، والمربعات، والمكعبات، والكرات، يبقى صحيحاً، ومن ثم فهو "حقيقي" ولو لم توجد هذه الأشكال في العالم المادي في الماضي أو في المستقبل. والمعاني المجردة هي الأخرى حقيقية بهذا المعنى؛ فالأعمال الفردية الفاضلة قصيرة الأجل ولكن الفضيلة تبقى حقيقية خالدة في التفكير وأداة للتفكير؛ وهذا أيضاً شأن الجمال، والكبر، والمشابهة وما إليها (٨٧). فالأعمال والأشياء الفردية أشياء وأعمال بالصورة التي نعرفها بها، لأنها تشترك في هذه الأشكال الكاملة أو الأفكار، وتحقق وجودها بدرجة قليلة أو كثيرة. وعالم العلم والفلسفة لا يتكون من أشياء مفردة، بل يتكون من أفكار (٢) (٨٨)؛


(١) ولقد حاول أفلاطون في سنيه الأخيرة أن يبرهن على عكس نظرية فيثاغورس، أي أن الأفكار جميعها صورة رياضية.
(٢) وازن بين هذا وبين قول كرل: "إن الأفكار وحدها عند العلماء المحدثين، كما هي عند أفلاطون، هي الحقائق" (٨٩). وانظر أيضاً قول أسبنوزا: "لست أفهم من قولهم تتابع العلل والمعلولات الحقة، أن هناك سلسلة من الأشياء الفردية المتغيرة؛ وليس ذلك فقط لأن عددها يخطئه الحصر، بل لأن … وجود الأشياء المعينة لا صلة بينه وبين جوهر هذه الأشياء، وليس هو حقيقة أزلية" (لكي تكون هندسة المثلثات حقيقية، ليس من الضروري أن يوجد أي مثلث خاص). "على أنه ليس من الضروري أن نفهم سلسلة الأشياء الفردية المتغيرة، لأن جوهرها … لا يوجد إلا في الأشياء الثابتة الأزلية ومن القوانين المسجلة في هذه الأشياء، والمكونة لشرائعها الحقة التي بمقتضاها صنعت ورتبت" (٩٠). ويلاحظ القارئ أن هرقليطس وبارمنيدس يتفقان مع أفلاطون في نظريته الخاصة بالأفكار: فهرقليطس إذن على حق، وتتابع الأشياء حقيقي في عالم الحواس؛ كما أن بارمنيدس على حق والوحدة التي لا تتبدل حقيقة في عالم الأفكار.