للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الرغبة الشديدة في العمل العظيم إلى محاولة القيام بكل واجب واقتحام كل خطر. ففي يوم قيرونيا مثلاً كان هو أول من هجم على "العصبة الطيبة المقدسة"؛ وفي يوم غرانيقوس أطلق العنان لما كان يسميه رغبة في ملاقاة الأخطار" (١٨). وقد أصبحت هذه الرغبة هي الأخرى شهوة جامحة، فكان صوت الحرب ومنظرها يسكرانه، فينسى في ذلك واجبات القائد ويندفع إلى معمعان القتال، وكثيراً ما كان جنوده يلحون عليه أن يرتد إلى المؤخرة لخوفهم أن يفقدوه. على أنه لم يكن قائداً عظيماً، بل كان جندياً باسلاً أوصله جَلَده وعناده وعدم مبالاته بالعقبات التي كانت تبدو مستحيلة التذليل إلى انتصارات مؤزرة لم يسبقه أحد إلى مثلها. وكان هو الملهم لجنوده، أما قواده الذين كانوا من أقدر الرجال فالراجح أنهم هم الذين كانت تقع عليهم أعباء التنظيم والتدريب والكر والفر والفنون الحربية. وكان يقود جنوده بخياله الوضاء، وفصاحته الطبيعية غير المتكلفة، واستعداده لمقاسمتهم صعابهم وأحزانهم استعداد المخلص الوفي. ولا جدال في أنه كان إدارياً حازماً؛ وقد حكم الأملاك الواسعة التي افتتحها بقوة السلاح حكماً رفيقاً حازماً؛ وكان يفي بالعهود التي يقطعها على نفسه لقواد الجند المهزومين وللمدن المغلوبة، ولم يسمح قط لموظفيه أن يظلموا رعاياه أو يستبدوا بهم، ولم يكن وهو يخوض غمار القتال والهيجاء مشتجرة والأرض متزلزلة يغفل قط عن هدفه الأسمى الذي لم يحل موته إنجازه: وهو ضم البحر المتوسط الشرقي في وحدة ثقافية جامعة، تسيطر عليها وتسمو بها حضارة بلاد اليونان الآخذة في الانتشار.