بروتس وشيشرون، وكما عفى نابليون عن فوشيه Foche` وتليران Talleyrand، كذلك عفى الإسكندر عن هربالس Harpalus صاحب بيت المال الذي اختفى بما في عهدته منه ثم عاد إليه يرجو عفوه؛ وقد أدهش الشاب الفاتح الناس جميعاً بأن أعاده إلى منصبه، ويبدو أنه أصلحه بذلك العمل (١٥). ومرض الإسكندر في طرسوس عام ٣٣٣ فعرض عليه طبيبه فليب شراباً مسهلاً. وفي تلك اللحظة وصلت إلى يد الملك رسالة من برمنيو يقول فيها إن دارا قد رشا فليب ليدس له السم، فما كان من الإسكندر إلا أن عرض الرسالة على فليب، بينما كان الطبيب يقرؤها شرب الإسكندر الدواء - ولم يصب بسوء. وقد كان اشتهاره بالنبل والكرم عوناً له في حروبه؛ فقد كان كثيرون من أعدائه يلقون بأنفسهم أسرى بين يديه، وكانت المدن تفتح أبوابها إذا اقترب منها لأنها تخشى على أنفسها من النهب. لكنه كان فيه شيء من الشراسة المولوسية، وقد شاء القدر القاسي أن يقضي عليه ما كان ينتابه أحياناً من نوبات القسوة. مثال ذلك أنه لما استولى على غزة بعد أن حاصرها واقتحم أسوارها واستفزته بطول مقاومتها أمر بأن تخرق قدما باتيس Batis قائدها الباسل، وأن توضع فيهما حلقات من نحاس. ثم أسكرته ذكرى أخيل، فشد القائد الفارس بعد موته إلى العربة الملكية بالحبال، وجرت به بأقصى سرعتها بالمدينة (١٦). وكان إدمانه الخمر إدماناً متزايداً ليهدئ به أعصابه مما دفعه في سنيه الأخيرة إلى كثير من أعمال القسوة العمياء التي أخذت تزداد على مر الأيام، وكانت تتلوها نوبات من الندم الصامت وتوبيخ الضمير العنيف.
وكان من صفاته صفة لها الغلبة على ما عداها ونعني بها الطموح. فقد كان وهو شاب يتبرم من انتصارات فليب، حتى لقد شكا مرة إلى أصدقائه من أن "أباه سيفرغ من كل شيء قبل أن نستعد نحن، ولن يترك لي أو لكم فرصة نعمل فيها شيئاً عظيماً خطيراً"(١٧). وقد دفعته هذه