أشد التأثر. ولما عنفه فليب على هذا هجر تلك الآلة، ورفض من ذلك الوقت أن يستمع لغير النغمات العسكرية؛ ولعله أراد بهذا أن يتعود السيطرة على حواسه (١١). كذلك كان يستمسك بالفضيلة من الناحية الجنسية، ولم يكن ذلك من مبدأ يدين به، بل لأن مشاغله كانت تحول بينه وبين الانحراف إلى هذه الناحية. ذلك أن نشاطه الدائم، وسيره الطويل، وحروبه الكثيرة، وخططه المعقدة، وأعبائه الإدارية، كانت تستنفذ كل قواه، ولا تترك إلا القليل من شهوة الحب. وكانت له زوجات كثيرات، ولكن زواجه بهن كان تضحية منه قضت بها شئون السياسة والحكم؛ وكان شهماً ذا مروءة في معاملته للنساء، ولكنه كان يفضل عليهن صحبة قواده. وجاءه رجاله ذات مرة إلى خيمته بامرأة جميلة بعد أن مضى من الليل أكثره، فسألها "لم تأخرت إلى هذا الوقت؟ " فردت عليه بقولها: "كان علي أن أنتظر حتى أنيم زوجي". فصرفها الإسكندر وعنف خدمه وقال لهم إنه كاد بأعمالهم أن يصبح زانياً (١٢). وكان فيه كثير من صفات اللوطيين، وكان يحب هفستيون Hephaestion إلى حد الجنون؛ لكنه حين جاءه ثيودورس التاراسي Theodorus of Taras يعرض عليه أن يبيعه غلامين بارعي الجمال، طرد ثيودورس من مجلسه وطلب إلى أصدقائه أن يفحصوا له عما أظهره من سفالة وخسة نفس تحملان إنساناً ما على أن يتقدم إليه بهذا العرض الدنيء (١٣). وكان يستمسك بصداقة الأصدقاء ويهبهم ما يهبه معظم الناس إلى المحب من اشتياق ورقة وعاطفة؛ وليس بين من نعرف من السادة، دع عنك القواد، من فاقه في صدق القول الخالي من التكلف أو في الصداقة الوفية القوية، أو في إخلاصه في حبه وغرضه، أو في كرمه لمعارفه وأعدائه دع عنك أصدقائه (١٤). وفي ذلك يقول بلوتارخ "وهو ينتهز أقل الظروف ليكتب الخطابات لخدمة الأصدقاء". وقد كسب حب جنوده بعطفه عليهم؛ وكان يخاطر بحياتهم ولكنه لم يكن يفعل ذلك جزافاً من غير ميالاة، كأنه كان يحس بجميع جراحهم؛ وكما عفى قيصر عن