في العلوم من أن أتفوق عليهم في اتساع المُلك وقوة السلطان" (٩). ولقد أرسل بعثة لارتياد منابع النيل -وقد يكون هذا بإيعاز أرسطو - وأعان بالمال كثيراً من البحوث العلمية. وليس في وسعنا أن نحكم أكان إذا امتد به أجله يبلغ ما بلغه قيصر من صفاء الذهن أو ما بلغه نابليون من دقة الفهم. لكن مشاغل المُلك أدركته وهو في العشرين من عمره، واستغرقت شئون الحرب والإدارة كل وقته وجهده، ومن أجل هذا بقي ناقص التعليم إلى آخر أيام حياته. نعم إنه كان متحدثاً لبقاً، ولكنه كان يتورط في مئات الأغلاط إذا تطرق الحديث إلى شئون السياسة والحرب. ويلوح أنه رغم حروبه الكثيرة لم يعرف من الجغرافية ما كان في مقدور ذلك العلم في أيامه أن يمده به. وكان عقله في بعض الأحيان يسمو عن الآراء الضيقة التحكمية، ولكنه بقي إلى آخر أيام حياته عبداً للخرافات والأوهام، شديد الثقة بالعرافين والمنجمين الذين تزدحم بهم حاشيته. ولقد قضى الليلة السابقة لواقعة أربيلا يقوم بمراسم سحرية مع الساحر أرستندر Aristander ويقرب القربان إلى إله الخوف. وكان هذا الرجل الذي واجه الناس والوحوش بشجاعة ونشوة "يرتاع لأقل النذر الموهومة" ارتياعاً يحمله على تغيير خططه (١٠). وكان في مقدوره أن يقود آلاف الرجال، ويهزم الملايين منهم، ويحكمهم، ولكنه لم يكن يستطيع السيطرة على طبعه. ولم يتعلم قط الاعتراف بما يرتكب من خطأ أو بما فيه من نقص، وكان يغتر بالثناء اغتراراً يطغى على حكمته ويفسدها. وقد عاش طول حياته في جو من الانفعال والمجد يكاد يذهب بعقله، وكان يحب الحرب حباً استحوذ على عقله فلم يترك له ساعة ينعم فيها بسلام.
وكانت أخلاقه تحوم حول أمثال هذه التناقضات. فقد كان في قرارة نفسه عاطفياً سريع الانفعال، تستبقه عبراته، شديد التأثر بالشعر والموسيقى، وكان في أيام شبابه الأولى يعزف على القيثارة ويتأثر بأنغامها