كيف لم تدلكم تجاربكم على أن من يعملون ينامون نوماً أعمق من نوم من يعمل لهم غيرهم، وهل لا تزالون بحاجة إلى من يدلكم على أن أعظم ما نحتاجه بعد انتصارنا هو أن نتجنب الرذائل وأسباب الضعف التي كان يتصف بها من غلبناهم على أمرهم" (٥). وكان يؤلمه ما يضيع من الوقت في النوم ويقول: "إن النوم وعملية التناسل هما أهم ما كان يشعره بأنه آدمي فان" (٦). وكان معتدلاً في الطعام، وظل إلى آخر سني حياته معتدلاً كذلك في الشراب، وإن كان يحب أن يطيل المكث مع أصدقائه على كأس من الخمر. وكان يحتقر الأطعمة الدسمة، وقد رد مشهوري الطهاة الماهرين الذين عرضوا عليه، وقال أن مشي ليلة كفيل بأن يقوي شهوته للفطور، وإن فطوراً خفيفاً يقوي شهوته للغداء (٧). ولعل هذه العادات هي التي جعلت وجهه وضاء إلى حد كبير، وجعلت رائحة جسمه ونفسه "زكية تفوح من ملابسه التي على جسمه" (٨). وإذا ما أخذنا بأقوال معاصريه وضربنا صفحاً عن ملق الذين رسموا صوره أو نحتوا تماثيله أو نقشوا رسمه، حكمنا بأنه كان وسيماً بدرجة لم يسبقه إليها أحد من الملوك الذين قبله: كان ذا معارف قوية التعبير، وعينين زرقاوين رقيقتين وشعر غزير أصحر. وهو الذي ساعد على إدخال عادة حلق اللحية في أوربا، وحجته في ذلك أن اللحية تمكن العدو من القبض على صاحبها (٨ أ). ولعل أكثر آثاره في التاريخ هو هذا الأثر التافه.
أما من الناحية العقلية فقد كان شديد التحمس للدرس، لكن التبعات التي ألقيت عليه قبل الأوان لم تترك له فسحة من الوقت ينضج فيها عقله. وكان يحزنه ما يحزن الكثيرين من رجال الجد والعمل وهو أنه لا يستطيع أن يكون أيضاً مفكراً. ويقول بلوتارخ إنه "كان شديد الشغف بالعلم، شغفاً يزداد على مر الأيام … وكان مولعاً بجميع أنواع المعارف محباً لقراءة جميع أنواع الكتب". وكان من أسباب سروره بعد أن يقضي يوماً في السير أو في القتال أن يسهر إلى منتصف الليل يتحدث إلى الطلاب والعلماء. وقد كتب إلى أرسطو يقول: "خير لي أن أتفوق على غيري